نظرية الموجود المستحق إلى الوجود ويعامل على أنه معدوم
الكاتب:
المدير
-
"آيات منيرة في أحداث السيرة (1) مَن تأمل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتفكَّر في زواجه بهذا العدد مِن النساء في أواخر عمره، بعد أن قضى غالب أيام شبابه مقتصرًا على زوجة واحدة شبه عجوز هي خديجة - رضي الله عنها – ومِن بعدِها سودة – رضي الله عنها - عرَف أن هذا الزواج لم يكن لأجل أنه وَجد بَغتة في نفسه قوة عارمة مِن الشبق! ولا شهوة زائدة، بل كانت هناك أغراض أخرى أجلُّ وأسمَى مِن الغرض الذي يحققه الزواج، خاصة أن جميع أزواجه صلى الله عليه وسلم – باستثناء عائشة - كُنَّ ثيِّبات كبيرات في السن! ففي ميل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مُصاهرة أبي بكر وعمر؛ بزواجه بعائشة وحفصة، وتزويجه ابنته فاطمة بعليِّ بن أبي طالب، وتزويجه ابنتيه رقية ثم أم كلثوم بعثمان بن عفان، يشير كل هذا، إلى أنه يبغي مِن وراء ذلك توثيق الصلة بالرجال الأربعة... أولئك الرجال الذين يتميزون على غيرهم... أولئك الذين عَرف بلاءهم وفداءهم للإسلام خاصة في أشد المواقف صعوبة وأقواها في بداية الدعوة. وكان مِن تقاليد العرب التعظيم الشديد للمصاهرة، فقد كان الصهر عندهم بابًا من أبواب التقرب بين البطون المختلفة، وكانوا يرون مناوأة ومحاربة الأصهار سبَّة وعارًا على أنفسهم، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم - بزواج عدة مِن أمهات المؤمنين - أن يكسر سَورة عداء القبائل للإسلام، ويطفئ حدةَ بغضائها... كانت أم سلمة مِن بني مخزوم - حي أبي جهل وخالد بن الوليد - فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يقف خالد من المسلمين موقفَه الشديد بأحُد، بل أسلم بعد مدة غير طويلة طائعا راغبًا، وكذلك أبو سفيان لم يواجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي محاربة بعد زواجه بابنته أم حبيبة... وأيضًا لم يعُد مِن قبيلتَي بني المصطلق وبني النضير أيُّ استفزاز وعداء، بعد زواجه بجويرية وصفية؛ بل كانت جويرية أعظمَ النساء بركة على قومها، فقد أطلق الصحابة أسر مائة بيتٍ مِن قومها حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يخفى ما لهذا المَنِّ مِن الأثر البالغ في النفوس. وأكبر مِن كل ذلك وأعظم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورًا بتزكية وتثقيف قوم لم يكونوا يعرفون شيئًا مِن آداب الثقافة والحضارة والتقيُّد بلوازم المدينة، والمساعدة في بناء المجتمع وتعزيزه. كما أن المبادئ التي كانت أسسًا لبناء المجتمع الإسلامي، لم تكن تسمح للرجال أن يختلطوا بالنساء، فلم يكن يمكن تثقيفهن مباشرة مع المراعاة لهذه المبادئ، مع أن الحاجة إلى تثقيفهن مباشرة لم تكن أهون وأقل مِن الرجال، بل كانت أشد وأقوى. وإذن فلم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم سبيلٌ إلا أن يختار مِن النساء المختلفة الأعمار والمواهب ما يكفي لهذا الغرض، فيزكيهن ويربيهن، ويعلمهن الشرائع والأحكام، ويثقفهن بثقافة الإسلام حتى يُعدهن لتربية جميع طوائف النساء، العجائز منهن والشابات، فيكفين مؤنة التبليغ في النساء، وقد كان لأمهات المؤمنين فضل كبير في نقل أحواله - صلى الله عليه وسلم - المنزلية للناس، خصوصًا مَن طالت حياته منهن كعائشة، فإنها روتْ كثيرًا مِن أفعاله وأقواله. وهناك نكاح واحد كان لنقض تقليد جاهلي متأصِّل، وهي قاعدة التبنِّي. وكان للمتبنِّي عند العرب في الجاهلية جميع الحرمات والحقوق التي كانت للابن الحقيقي سواء بسواء، وكانت قد تأصلتْ تلك القاعدة في القلوب، بحيث لم يكن محوها سهلًا، ولم يكن كافيًا أن يقول الرسول فيها قولًا فيطيع الناس! وكانت تلك القاعدة تعارض بشدة الأسس والمبادئ التي قررها الإسلام في النكاح والطلاق والميراث وغير ذلك من المعاملات، كما كانت تلك القاعدة تجلب كثيرًا من المفاسد والفواحش التي جاء الإسلام؛ ليمحوها عن المجتمع. وقدَّر اللهُ أن يكون هدْم تلك القاعدة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذاته الشريفة، وكانت ابنة عمته زينب بنت جحش، تزوجتْ زيد بن حارثة الذي كان يُدعى زيدَ بنَ محمد، ولم يكن بينهما توافق، حتى همَّ زيدٌ بطلاقها، وفاتَح بذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم - إما بإشارات الظروف، وإما بإخبار الله عز وجل إياه - أن زيدًا إن طلقها فسيُؤمر هو صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها بعد انقضاء عِدتها، وكان ذلك في ظروف حرجة مِن تألُّب المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وكان يخاف - إذا وقع هذا الزواج - دعاية المنافقين والمشركين واليهود، وما يُثيرونه مِن الوساوس والخرافات عليه، وما يكون له من الأثر السيئ في نفوس ضعفاء المسلمين. فلما أخبر زيدٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بإرادته ورغبته في تطليق زينب أمره بأن يُمسكها ولا يُطلِّقها؛ وذلك لئلا تجيء له مرحلة هذا الزواج في تلك الظروف الصعبة، ولم يرضَ اللهُ مِن رسوله صلى الله عليه وسلم هذا الترددَ والخوفَ حتى عاتبه الله عليه وأنزل في ذلك قرآنا يُتلى... وأخيرًا طلَّقها زيدٌ كما أراد الله، وتزوجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انقضتْ عدَّتُها، وأوجب الله تعالى عليه هذا النكاح، ولم يترك له خيارًا ولا مجالًا... فما تلك الآيات؟ وفي أي جزء من القرآن وردت؟ أدَع الجوابَ للقرَّاء رغبة في تفعيل مشاركتهم في هذا المقال. "
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.