نبي الرحمة والسلام صلى الله عليه وسلم

الكاتب: المدير -
نبي الرحمة والسلام صلى الله عليه وسلم
"نظرية الموجود المستحق إلى الوجود ويعامل على أنه معدوم   بسم الله الرحمن الرحيم، والصَّلاة والسَّلام على خير المرسلين في الأوَّلين والآخرين، والحمد لله ربِّ العالمين. ? رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ? [طه: 25 - 28]. ممَّا هو معلوم: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم هو خاتَم النبيِّين والمرسلين، فكانت هذه الرِّسالة الخاتمة مستَجْمِعةً لجميع الخير والبركة، وجالبةً للنَّفع الكبير، وذلك في مُختلف مجالات الحياة. وقد ارتأيْتُ في هذه الورقة أن أتناول قضيَّة مهمَّة من جوانب حياةِ رسول الله عليْه السَّلام وذلك للجانِب الذي تَحملُه في طيَّاتِها، والدَّلالات التي تدلُّ عليْها، ويأتي ذلك في إشاراتٍ مُقتضبة، ورموز مفهمة على علامات، هي في شكل صور تمثيليَّة وآيات واضحة. وقد ارتأيْت أن أَجول في نَهر السِّيرة الزَّاخر، والوقوف بين يدَي الرَّسول الكريم، وذلِك بالنَّظر إلى بعْضٍ مِن معْجِزات الرَّسول صلَّى الله عليْه وسلَّم للإِشارة إلى ما يمكن أن تحمله من دلالات، هي في حدِّ ذاتِها يمكن أن تؤسِّس لنظريَّات كانت نسبيَّة في القبول بها؛ ولكن مع هذه الورقة يُمكِن أن تصبح حقائقَ يُستَرْشد بها في مختلف المجالات، ولكنَّ حضورها في مجال البحت العلمي أنفع وأوضح. إذًا؛ فسنُحاول سرْد بعض المعْجِزات النبويَّة، ثم نعمل علي إبْراز اللفتات التي تكمن في هذا الجانب من معجزات الرَّسول المعجِز. أمَّا عن المعجِزة، فهي أمرٌ خارق للعادة، يظهر على يد مدَّعي النبوَّة، موافقًا لدعواه، على وجه يُعجِز المنكِرين الإتيان بمِثلِه، والحكمة في إظْهار المعجزة على أيدي الأنبياء: الدلالة على صدقِهم فيما ادَّعوه؛ إذ كلُّ دعوى لم تقترِنْ بدليلٍ فهِي غير مسموعة، والتَّمييز بينهم - أي: بين الأنبياء - وبين من يدَّعي النبوَّة كاذبًا، وهي قائمة مقام قوْلِ الله تعالى: صدَق عبدي فيما يدَّعي. وفيما يلي أبرز المعجزات التي أيَّد الله سبحانه وتعالى رسولَه المصطفى المختار - صلواتُ الله وسلامُه عليه - وسأعمل على طرْح خمسة نماذج، وأشرح واحدًا منْها، راجيًا منَ الله العليم أن أتناول بالتَّحليل باقيَ النَّماذج المتبقِّية. للإشارة؛ فإني - من خلال الاطِّلاع على القرآن والسنَّة والقصص الصَّحيح - ظهر لي أكثر من 100 نموذج، كل نموذج يمكن أن نستنبِطَ منه، ونستخْرِج منه الكنوز من المعاني والحِكم، والإشارات العلميَّة الباهرة، التي تحملها في طيَّاتها. يمكن أن نسمِّي هذه القضيَّة بالنظريَّات المستوحاة من حياته - عليه أزْكى الصَّلاة والسَّلام - وهذه أبرَزُها: 1- ما جاء في تكثير النبي صلى الله عليه وسلم للماء. 2- ما جاء في سلام حَجَر عليه - صلى الله عليه وسلم. 3- ما ظهر في كفِّه الشريف صلى الله عليه وسلم من الآيات. 4- ما جاء في صوته صلى الله عليه وسلم من الآيات. 5- تلبية عِرق شجرة لنداء النبي صلى الله عليه وسلم وإقباله عليه. 6- ما جاء في انشقاق القمر له - صلى الله عليه وسلم. أوَّلاً: ما جاء في تكثير النبي صلى الله عليه وسلم للماء: والدَّليل على ذلك: ما جاء عن عبدالله بن مسعود أنَّه قال: كنَّا نَعُد الآيات بَركة، وأنتُم تَعُدُّونها تخويفًا، كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم في سفر فقَلَّ الماء، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((اطلبوا لي فضلةً من ماء))، فجاؤوا بإناء فيه ماءٌ قليل، فأدخَل يدَه في الإناء وقال: ((حَيَّ على الطَّهور المبارك، والبركة من الله)). ويقول ابن مسعود: لقد رأيتُ الماء ينبُع من بين أصابع الرَّسول صلَّى الله عليْه وسلَّم ولقد كنَّا نسمع تسبيح الطَّعام وهو يُؤكل؛ رواه البخاري. هذه آية دالَّة على صدقِه على أنَّه نبيٌّ مُرْسل؛ إذْ كيف يعقل أن يَزيدَ الماء حتَّى يكفِي الجميع، ويرتوي الكل! الماء هو أصل الحياة، وروح أغلب الكائنات، وبه تحيا؛ قال تعالى: ? وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ? [الأنبياء: 30]. خروج أو نُزول الماء من بين أصابعِه - عليْه السَّلام - هو من العجائب، والعجب منْه أنَّ الماء مادَّة سائلة ولها وزْن، وكميَّات الماء تعيَّر باللتر، وإذا أخذنا حوضًا وملأناه بالماء، فإنَّه لا يمكن لك أن تَزيد عليْه، وإلاَّ فاض الماء. مثال آخر: إذا أخذنا كوبًا وملأناه بالماء حتَّى لا تستطيع أن تزيد عليه، فإنَّك لو أضفتَ قطرة أو قطرتَين، فإنَّ الماء يَسيل على جنبات الكوب. إذا اتَّضح هذا، فهناك سؤال يَحتاج إلى جواب: نسبة الماء الموْجودة في جِسْم الإنسان معلومة، وأيُّ زيادةٍ في هذه النِّسبة، فإنَّ الجِسْم يُخْرِجُها على شَكْل بوْل أو عرق أو لعاب، والرَّسول - عليْه السَّلام - كما قال ابْنُ مسعودٍ في القول أعلاه: لقد رأيتُ الماءَ يَنبُع من بين أصابع الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم. إذًا؛ ففي هذه الحالة نزولُ أو نبْع الماء من المُصْطفى عليْه السَّلام هي زيادة على المعْتاد، وذلك بنسبٍ كبيرة؛ أي: حتَّى ارتوى أصحابُه وتوضؤوا. ? إذًا؛ فنبع الماء وجودٌ لشيء لَم يكُن موجودًا، والرَّسول - عليْه السَّلام - في هذه الحالة هو مصدر الماء. ? الماء نَبَع بكميَّة كبيرة، وبشكْلٍ متَّزن، وبالنسبة للرَّسول - عليه السَّلام - لو أنَّ هذه الكميَّة من الماء صبَّت في حوضِ ماءٍ، لَغَمَرتْهُ كلَّه. ? الماء له وزنٌ، وكميَّته قد تصِل إلى الحالة الَّتي يعجِز الإنسان فيها عن حمْلِه، والرَّسول - عليه السَّلام - كان يتحرَّك بطلاقةٍ ولا وزن زائد عليه. ? الماء يصعُب اختزاله، الآن له كميَّة محدودة خاصَّة إذا كان في برودة معتدِلة، جسم الإنسان لا فراغ فيه، ولو وجد الفراغ فكميَّة قليلة من الطعام والماء والهواء تكْفي ليُصْبِح مملوءًا، فجسم الإنسان يكبر؛ ولكنْ بشكل محدود، ويصغر؛ ولكن بشكل معقول، أمَّا الماء فلا يقبل الزِّيادة ولكن يقبل النُّقصان، وذلك بدرجة حرارة ليرتفع ويصبح بُخارًا؛ بل إنَّ جسم الإنسان يفقد الماءَ في كلِّ وقْتٍ ولو بشكلٍ قليل، حتَّى في الجوِّ البارد، على العكْس من ذلك في الجو الحار كالجزيرة العربيَّة التي فيها الحرارة في أعْلى مستوياتِها، والجسم في هذه الحالة يَحتاج إلى الماء أكثر من غيره من الأماكن، والرَّسول - عليه السَّلام ? كان يُصيبه العطش ويجوع، قال عن نفسِه: ((إنَّ الله يُطْعِمني ويسقيني))، لكن بشكل مختلف. ? إنَّ الماء يحتلُّ حيِّزًا مكانيًّا، ويأْخُذ الشَّكل الذي يوضع فيها بكمِّيَّته، إنَّ جسم المصطفى يأخُذ حيِّزًا مكانيًّا وهو محدود في الوجود، وإنَّ الهواء يُحيط به من كلِّ جانب ليملأَ الفراغ الباقي في هذا الحيِّز من الوجود. ? من خلال هذا وغيره، كيف يمكن لِمَن هو هذه خاصيَّته ليندمج في الآخر المخالف له في الخاصية؟ وكيف وقع هذا الاندماج لكلِّ هذه العناصر في شيء واحد؟ للإجابة عن هذا السؤال يَجب أن نعرف الفاعل، ومن جرى عليه الفعل، وما هي الأسباب المؤدِّية إلى هذه النتيجة؟ الفاعل: هو الله سبحانه وتعالى بِأمره، في الوقْت الَّذي شاء أن يُظْهِر قدرتَه على أحد عبيدِه. الذي وقع الفِعْل عليْه: مُحمَّد عليه السَّلام. الفِعل الخارق الذي جرى: هو أنَّ الماء بدأ ينبع من بين أصابعِه - عليْه السَّلام - أمام الصَّحابة الكرام. إذًا؛ فالحالة المعتادة نبْع الماء من العين أو النَّبع، لكن هنا على خلاف العادة؛ لأنَّ الله يُريد أن يبيِّن لنا بأنَّ قانون السببيَّة المعروف والمعلوم لدى العِباد، هناك قانونٌ آخَر يُمكن أن أسَمِّيه بـ قانون وجود الموجود الَّذي هو في الظَّاهر أنَّه معدوم. لكن بالتأمُّل والتدبُّر، فهو في العدم الغيبِي الَّذي يحتاج فقط إلى اللحظة الآنيَّة، والفترة المناسبة لِبروزه إلى حيِّز الشُّهود؛ أي: يُمكِن أن نستنتج من خِلال هذه المعجزة أنَّه: يُمكن أن يقول البعض: إنَّها معجزة، ومادامت كذلك فهي أمر خارق للعادة. نعم، هذا صحيح من جانب، ولكن من جانبٍ آخَر: فيه دلالة على وُجود أشياءَ مُماثلة، لا تظهر للعيان مُماثلة لما نعرفه ونلمسه في عالم العيان. يمكن أن يكونَ هذا الكلام فيه جرأة في الطَّرح، ونوعٌ من المخالفة لما اعتاده النَّاس، أو فيه تعارُض وتناقُض مع بعض القوانينِ العلميَّة المعْلومة للجميع؛ لكن رغْم كلِّ هذا فهذه النَّتيجة منسجِمة مع التَّفكير الإيماني السَّليم، الذي يَجمع بين الغَيْب والشَّهادة، بين العدم والوجود، بين القيمة العدديَّة للرَّقم صفر، والقيمة الرَّقمية للعدد100، بين المحسوس والملموس، بين الموت والحياة. هذا أو غيره من هذه النَّماذج كثيرةٌ في القرآن والسنَّة والقصص الصحيحة والروايات، وقد ارتأَيْت أن أركِّز على هذا النَّموذج الواحد، على أن أتطرَّق إلى باقي النَّماذج في ورقات أخرى. من الأمثلة المشهورة والمعْروفة في ذلك: قصَّة مريم عليها السلام في أنَّها كانت تُرزق الرِّزْق من العدَم، وسيّدنا إبْراهيم - عليْه السَّلام - لَم يُحرق بالنار. هذا وغيره كما سمَّيْناه آنفًا بالنظرية المستوْحاة من الحياة النبوية، المسمَّاة بنظريَّة الموجود المستحقّ إلى الوجود ويعامل على أنَّه معدوم. هذا ما جادت به القريحة، ونرجو أن نوفَّق إلى الصَّواب، والحمد لله. "
شارك المقالة:
397 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook