الموت لغةً: ذهاب القوّة من الشيء، والموتُ خلافُ الحياةِ، والموت ما لا روح فيه.
والموت شرعاً: إخراج الروح من الجسد، أو قبض الأرواح، كما قال تعالى: (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ). وموت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها. ولا شكَّ في أنّ الموت هو أوّلُ منازل الآخرة، قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ). ومعنى الآية أن كل حيٍّ سيموت وتُفارقُ نفسهُ البدن الذي تعيشُ فيهِ.
نهى النَّبي -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- المسلمين عن تمنّي الموتِ عِندَ حُدوثِ البلاءِ لهم، وأمَرَهُم أن يطلُبوا الموتَ إذا كانَ في طلبِهِم هذا خير لهُم دلَّ على ذلك حديثُ الرسولِ عليه الصلاة والسلام الذي رواهُ أبو هُريرة: (لا يتمنَّى أحدُكمُ الموتَ، إما محسِنًا فلعلَّه يَزدادُ، وإما مُسيئًا فلعلَّه يَستَعتِبُ) ولا تعارضَ بينَ هذا القول وتمنِّي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب -رضي اللهُ عنهُما- الموت، ذلكَ أنَّ نهيَ النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام عن تمنِّي الموتِ إذا نَزَلَ بالمؤمنِ ضرٌ أو ضيقٌ في الدنيا، فلا يجبُ أن يتمنى الموت، أمّا إن خشيَ وخافَ على دينِهِ مِنَ الفتنةِ، فمُباحٌ لهُ أن يَدعوَ بالموتِ، قبلَ مُصابِهِ بدينهِ، وهذا ما قصدهُ عمر -رضيَ اللهُ عنهُ- فقد خشيَ أن يُصاب في دِينهِ عندَ كبرِ سنِّهِ، وضعفِ قوتهِ، وأن يعجزَ عن القيامِ بما فرضَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليهِ مِن أمرِ الأمةِ، أو أن يفعلَ ما يُسألُ ويُلامُ عليهِ في الدنيا والآخرة، لذلك دعا الله قائلاً: فاقبضني إليكَ غيرَ عاجزٍ، ولا ملومٍ فاستجابَ اللهُ دُعاءهُ وأماته قبلَ انتهاءِ الشّهرِ.
وكذلك علي -رضي اللهُ عنهُ- عِندما خافَ مِن قومهِ الغدرَ وانتشار الفتنةِ سألَ الله سُبحانهُ وتعالى أن يُريحهُ منهُم، وفعلاً حدثَ ما توقَّع فقد قتلوهُ وهو إمامٌ عدلٌ، برٌ، تقيٌ، ولذلك فلا تعارض هُنا وحديثِ رسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- في النَّهي عن تمنّي الموت. فنهيهِ عليه الصلاة والسلام فيهِ بيانٌ أنَّ المتمني غيرُ راضٍ بقضاءِ اللهِ وقدرهِ، وغير مسلِّمٍ لأمرهِ.
تعريف السكرات: السكراتُ جمعُ سَكرةٍ وفعلهُ سَكَرَ، والسكرانُ: عكسُ وضدُّ الصَّاحي، وسكرةُ الموتِ: أي شدته، فالسكرُ حالةٌ تصيبُ العبدَ وتحولُ بينهُ وبينَ عقلهِ، وأكثرُ استعمالاتهِ في الشرابِ المسكرِ، فالمقصودُ من السكراتِ إذا أُطلقَ: ما يصيبُ المحتضرَ من شدائدِ الموتِ وأهوالهِ وصعوبةِ نزعِ الروحِ.
سكرات الموت في الكتاب: ذكرَ اللهُ سبحانهُ وتعالى سكراتِ الموتِ في كتابهِ العزيزِ، في أكثرِ من موضعٍ، منها قولهُ تعالى: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ). في الآيةِ بيانٌ من اللهِ عز وجل لعاقبةِ الظالمين وذكرَ اللهُ عز وجل ما أعدَّ لهم من عقوبةٍ وقتَ الاحتضارِ ويومَ القيامةِ، حيثُ بينت الآيةُ أنهم في شدائد وأهوالٍ كبيرةٍ، وأن الملائكةَ تبسط يديها للظالمينَ المحتضرينَ لضربهم وعذابهم، وذكرَ سبحانهُ وتعالى في سورةِ ق، قال تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ). والمرادُ هنا من سكرةِ الموتِ في الآيةِ شدتهُ التي تغلبُ على عقلِ الانسانِ.
وشدَّةُ الموت لا تدلُّ على نقص في مكانة المؤمنِ، إنما هي أحد أمرين إما تكفيرُ سيئاتهِ وإما زيادةٌ لهُ في حسناتهِ، والكافرُ زيادةٌ لهُ في عذابهِ. وكل من يحضرُ الموتَ إما أن يستريح، وإما يستريح منه من حوله لشدة سوئه وأذاه، ومن الممكن أن يُشدّد على الفريقين المؤمن والكافر لحظة الموتِ، فالمؤمن الذي عمل الصالحات في حياتِهِ واتقى الله عز وجلَّ يزداد بهذهِ السكرةِ ثواباً، أو يُكفّرُ عنهُ من ذنوبهِ، ويستريحُ بعد ذلك من آلام الدنيا. وأما الفاجر العاصي لله عز وجلَّ فإن الناس يستريحون منهُ بسبب المعاصي التي يرتكبُها في حياتهِ وتسبب الألم للآخرين، ودليلُ هذا القول حديثُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي رواهُ أبو قتادة رضي الله عنهُ: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُرَّ عليه بجنازةٍ فقال: مستريحٌ ومستراحٌ منه، فقالوا: يا رسولَ اللهِ مَن المستريحُ والمستراحُ منه؟ فقال: العبدُ المؤمنُ يستريحُ مِن نصَبِ الدُّنيا وأذاها إلى رحمةِ اللهِ والمستراحُ منه العبدُ الفاجرُ يستريحُ منه العبادُ والبلادُ والشَّجرُ والدَّوابُّ).
موسوعة موضوع