يعرف الزنا في اللغة: بأنه إتيان الرجل للمرأة بغير عقدٍ شرعيٍ بينهما، والزنا في اصطلاح الفقهاء هو وطء الرجل للمرأة في قُبلها من غير المِلك أو شبهته، أو فعل الفاحشة في القبل أو في الدبر، والزنا فعلٌ محرّمٌ، بل يعدّ من كبائر الذنوب وعظامها، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)، ويشترط في الزنا ليترتب عليه الحد الشرعي المقرر أن يتم فيه الإيلاج، فتدخل حشفة الذكر بفرج المرأة، فإن لم تدخل الحشفة، أو دخل بعضها فقط، فلا يجب بذلك الحد، ولا يشترط الإنزال لإقامة الحد، بل يكفي فيه الإيلاج، ويظهر من ذلك أنّ كل مقدمات الزنا من لمسٍ وتقبيلٍ ووضع الفرج على الفرج، ونحو ذلك لا يعدّ من الزنا الموجب للحد، إلّا أنّها أفعالٌ توجب على صاحبها التعزير والتأديب، وذلك لما فعله من ارتكاب حرامٍ ومنكرٍ بيّنٍ واضحٍ، كما أنّ هذه المقدمات قد تؤدي بالإنسان إلى الزنا الحقيقي، وقد سمّى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- تلك الأفعال بالزنا فقال: (إنَّ اللَّهَ كتبَ على ابنِ آدمَ حظَّهُ منَ الزِّنا أدرَكَ ذلِكَ لا محالةَ فزنا العينينِ النَّظرُ وزنا اللِّسانِ المنطقُ والنَّفسُ تمنَّى وتشتَهي).
ولإقامة حد الزنا المقرر في الشرع، لا بدّ من تحقق بعض الشروط في الزاني، وهي: أن يكون عاقلاً، وبالغاً، ومختاراً لفعله غير مكرهٍ عليه، وعالماً بحرمة ذلك الفعل، فأمّا اشتراط العقل والبلوغ والاختيار؛ فلقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عنِ النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعنِ الصَّبيِّ حتَّى يحتلمَ، وعنِ المجنونِ حتَّى يعقلَ)، وأمّا اشتراط العلم بالتحريم؛ فلأنّ الحد يتبع اقتراف الحرام، وهو غير مقترفٍ للزنا، ثم إنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لمّا جاءه ماعزٌ يقرّ بالزنا، راجعه وسأله إن كان يعرف ما الزنا، وفيما يتعلق بثبوت الزنا على فاعله، فإنّ ذلك يتحقق بأحد أمرين: إمّا بإقراره بالفعل، أو بالشهادة، ولأنّ الاتهام بالزنا سيءٌ في حقّ كلّ من الرجل، والمرأة، فإنّ الله -تعالى- قد شدد في شروط قبول الشهادة فيه، فيشترط فيها أن تكون بأربعة شهداء، كلّهم بالغون، وعاقلون، وجميعهم عدول أيضاً، كما يشترط فيهم الإسلام جميعاً، ولا بدّ للشهود لكي تقبل شهادتهم أن يعاينوا الفعل ويصرّحوا به، وأن يشهدوا جميعاً في مجلسٍ واحدٍ، وتعدّ الذكورة شرطاً في الشهادة على الزنا، ولا يجوز في الشهادة في الزنا التقادم كذلك.
إمّا أن يكون الزاني محصناً، أو أن يكون غير محصنٍ، والمحصن هو المتزوج الذي وطء زوجته في قبلها، بنكاحٍ صحيحٍ، وكانا بالغين، عاقلين، حرين، ويظهر من ذلك أنّ للإحصان خمسة شروطٍ، وفيما يأتي بيانها:
فإذا تحققت تلك الشروط الخمسة في الزاني، فإنّه يكون حينها متزوجاً محصناً، وحكمه إذا زنا أن يرجم بالحجارة حتى الموت، سواءً أكان رجلاً أو امرأة، وحكم الرجم ثابت عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، بالقول والفعل، وقد ورد أنّ رجلاً أتى إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وهو جالسٌ في المسجد، وأخبر الرجل النبي أنّه زنا، فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعاد الكرّة بإخبار النبي بأنّه زنا، فأعرض عنه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- مرةً ثانيةً، وكرر الرجل ذلك حتى أقرّ على نفسه بالزنا أربع مراتٍ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أبكَ جُنونٌ؟ قال: لا، قال: فهل أحصنتَ؟ قال: نعم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: اذهَبوا به فارجُموه)، وقد أجمع العلماء على أنّ الرجم بالحجارة حتى الموت، هو حكم الزاني المتزوج المحصن.
إنّ للزنا وانتشاره في المجتمع مفاسدٌ ضخمةٌ وأضرارٌ عظيمةٌ، وفيما يأتي بيان بعضها:
موسوعة موضوع