يُطلَق لفظ بيت الله الحرام على الكعبة المُشرَّفة، قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ويُطلَق البيت الحرام أيضاً على المسجد الحرام، والحرم المكيّ كلّه، ويُعدّ بيت الله الحرام أوّل بيتٍ وُضِع للناس في الأرض لعبادة الله قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ).
سُمِّي المسجد الحرام في مكّة المكرّمة بهذا الاسم؛ لأنّ الله -سبحانه وتعالى- حرّمها إلى يوم القيامة؛ فلا يجوز القتال فيها، ولا قطع شجرها، ولا التقاط لقطتها إلّا من عرّفها، ولا عضد شوكها، ولا يجوز أن يُنفر صيدها،فقد جاء في رواية الصحابيّ الجليل عبد الله بن عباس: (قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يومَ فتحِ مكّةَ: (لا هجرةَ، ولكن جهادٌ ونيّةٌ، وإذا استُنْفِرتم فانفروا)، وقال يومَ فتحِ مكّةَ: (إنَّ هذا البلدَ حرَّمَهُ اللهُ يوم خلقَ السماواتِ والأرضَ، فهو حرامٌ بحرمةِ اللهِ إلى يومِ القيامةِ، وإنَّهُ لم يَحِلَّ القتالُ فيهِ لأحدٍ قبلي، ولم يَحِلَّ لي إلا ساعةً من نهارٍ، فهو حرامٌ بحرمَةِ اللهِ إلى يومِ القيامةِ، لا يُعْضَدُ شوكُهُ، ولا يُنَفَّرُ صيدُهُ، ولا يُلْتَقُطُ لقطتُهُ إلا من عرَّفها، ولا يُخْتَلَى خلاهُ)، فقال العباسُ: يا رسولَ اللهِ، إلا الإذخرُ، فإنَّهُ لِقَيْنِهِمْ ولبيوتهم، قال: (إلا الإذخرُ)).
لبيت الله الحرام أحكام خاصّة بيّنتها نصوص القرآن الكريم والسُّنة النبويّة الشريفة، ومن هذه الأحكام ما يأتي:
لا يجوز صيد الحرم لورود النصوص الشرعيّة التي تدلّ على حُرمَته ومنعه، وهذا التّحريم ليس شاملاً للحيوانات جميعها، بل للحيوانات التي تنطبق عليها صفات معيّنة؛ كأن يكون حيواناً بريّاً يُباح أكله، وبطبيعته ينفر من البشر، مثل: الغزال، والحمام، والجراد، وغيره، وأمّا من صاد حيواناً مُحرَّماً فعليه المثل فيما له مثل من النّعم، وتجب عليه القيمة فيما ليس له مثل من النّعم، هذا ويدخل في النهي بيض الحمام الذي في الحرم.
لا يجوز لأيّ شخصٍ أن يقطع الشّجر الذي في الحرم، ولا النبات الرّطب منه، ولا أن يأخذ شيئاً من ورقه إلا الإذخر، والإذخر هو نباتٌ عشبيّ ذو رائحةٍ عطرةٍ، تُنقََع أزهاره مثل الشاي، ويُستنفَع من خشبه بسقف البيوت، لذا رخّص الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- للمُسلمين فيه. ولا يجوز أن يُقطَع شوك الحرم إلا إذا كان في طريق الناس فيؤذيهم، أو كان في أرض شخص يريد أن يبني فيها؛ أي ممّا تدعو الحاجة الشديدة إلى قطعه وإزالته؛ فيجوز قطع اليابس من شجر الحرم وحشيشه، ويجوز الانتفاع بما انكسر من أغصان الأشجار، وسقط منها من ورق إذا كان بغير فعل الآدميّ، ويجوز قطع ما أنبته الآدميّ من الزرع والبقول وغيره، أمّا النبات المنهيّ عن قطعه فهو ما نبت بنفسه، ويجوز أخذ ما فيه منفع، مثل: الثمار، والسِّواك، وما يُستعمَل كدواء
اتّفق فُقهاء المذاهب الأربعة الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، والمالكيّة على أنّ الحسنات إذا فُعلت في الحرم المكيّ فإنّها تتضاعف، وذلك لقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) قال الإمام القرطبيّ في هذا: أي جعله مُباركاً لتضاعُف العمل فيه، والبركة: كثرة الخير، وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (وبقيّة الأعمال الصالحة تُضاعَف -أي في الحرم، ولكن لم يرد فيها حدّ محدود، إنّما جاء الحدّ والبيان في الصّلاة، أمّا بقيّة الأعمال كالصّوم والأذكار وقراءة القرآن والصّدقات فلا أعلم فيها نصّاً ثابتاً يدلّ على تضعيف مُحدَّد، وإنّما فيها في الجملة ما يدلّ على مُضاعفة الأجر، وليس فيها حدّ محدود).
لدخول المسجد الحرام جملة من الآداب التي تنبغي مراعاتها، ومنها:
لمكّة المكرّمة قدر عظيم عند الله سبحانه وتعالى، وعلى من يريد دخول حرمها آداب ينبغي أن يراعيها؛ إظهاراً لتشريفها على سائر بقاع الأرض، ومن هذه الآداب: