يتفاوت الناس في طريقتهم المتّبعة في حفظ القرآن الكريم؛ فمنهم من يقسّم ما يريد حفظه إلى العديد من الأقسام، وكل قسم منها يتضمّن خمسة أسطر يقرأها، ثم يحفظها، ويكررها حتى يثبّتها في حفظه، ويسير على ذلك في جميع الأسطر حتى ينهي ما أراد حفظه، ومنهم من يقسّم ما يريد حفظه إلى صفحات؛ فيقرأ الصفحة ويكررها حتى يحفظها، ومنهم من يقسّم حفظه إلى أكثر من صفحة، ويختلف ذلك باختلاف الشخص، فكل إنسان يسير وفق ما يناسبه، ووفق ما ييسّر عليه.
تبدأ هذه الطريقة بالاستعانة بالله -تعالى- أوّلاً، وحفظ صفحة في كلّ يوم، وعند إتمام حفظ الصفحة يُقرأ الجزء الذي يلي جزء الصفحة التي تمّ حفظها بالنظر فيه كلّه فمثلاً؛ إن أراد أن يحفظ جزء عمّ، فإنه يحفظ كل يوم صفحة منه، وبعد أن يحفظ الصفحة يقرأ جزء تبارك كاملاً بالنظر إليه، فعندما ينتهي من حفظ جزء عمّ يكون قد قرأ جزء تبارك عشرين مرة، وعندما يبدأ بحفظ جزء تبارك يكون قد قرأه عشرين مرّة فيلاحظ أنه سهل ومألوف لديه، وهكذا في جميع الأجزاء، ويأخذ الجزء الواحد عند قراءته بالنظر ما يقارب نصف ساعة، ويمكن قراءته على مرحلتين، ويمكن أيضاً أن تستبدل القراءة بالسماع والأفضل أن يعتمد الشخص يوماً على النظر ويوماً على السماع، وإن كان من الصعب حفظ صفحة، وقراءة جزء كل يوم لسببٍ؛ كالكبر في السنّ أو لوجود صعوبة في الحفظ وما إلى ذلك؛ فيحفظ نصف صفحة ويقرأ نصف جزء، وينصح في هذه الطريقة؛ أخذ استراحة كلّ أسبوع لمدّة يوم أو يومين، وجعلها من أجل مراجعة ما تمّ حفظه في باقي الأيام، وأفضل طريقة للحفظ هي سماع القرآن من القرّاء وتلقّيه عنهم، وأن يسمّع الشخص ما حفظه لقارئ كي يصحّح له ما يقرأ.
تمتاز هذه الطريقة بأنّها سريعة والحفظ الناتج عنها يكون ثابتاً وراسخاً في الذاكرة، وتسير هذه الطريقة وفق تقسيم المُراد حفظه إلى آيات، والبدء بهذه الآيات آية آية، وذلك عن طريق قراءة كلّ آية عشرين مرة، وعند الانتهاء ينتقل إلى الآية التي تليها ويقرأها عشرين مرة وهكذا، إلى أن ينتهي من جميع الآيات، ولا يزيد الحافظ في هذه الطريقة عن حفظ ثُمُنٍ من القرآن الكريم، كي لا يكون ما يحفظ كثيراً فينساه سريعاً، وقبل أن ينتقل إلى ما يريد حفظه في اليوم التالي، يقرأ ما حفظه في اليوم السابق كاملاً عشرين مرّة، ليضمن ثباته ورسوخه، ثم ينتقل إلى ما يريد حفظه ويسير بذات الطريقة.
يتم تقسيم الصفحة من القرآن في هذه الطريقة إلى خمسة أقسام، كل قسم يتضمن ثلاثة أسطر، ولا يُنصح بأن يزيد القسم إلى أن يصل أربعة أسطر، أو يقل إلى سطرين، وتُقرأ الثلاثة أسطر بالنظر إليها من خمس مرّات إلى إحدى عشرة مرّة وتكون قراءة، ولا يرفع بصره عنها حتّى لو حفظها من المرّة الأولى؛ لأنّ الهدف هنا أن تنطبع صورة الآيات في الذهن؛ فيكون سهلاً عليه أن يتذكّرها في المستقبل، وبعد الانتهاء من القراءة يعيدها من خمس مرّات إلى إحدى عشرة مرّة غيباً، وفي حال وقع منه خطأ في حرف أو في كلمة معيّنة فإنّه يكررها مع الكلمة التي قبلها والكلمة التي بعدها بنفس عدد تكرار القسم كاملاً؛ أي من خمس مرّات إلى إحدى عشرة مرّة، ويتّبع ذلك أيضاً في ربط آخر الصفحة مع أول الصفحة التي تليها، وبعد أن يحفظ ثلاثة أسطر ينتقل إلى الثلاثة أسطر التي تليها ويكررها بنفس الطريقة، وبعد أن ينتهي منها يعيد القسمين معاً ثلاث مرّات، وفي كل مرة يكرّر القسم مع الذي قبله ثلاث مرّات حتى ينتهي من الصفحة كلها، وتسمى هذه الطريقة بطريقة الحفظ التراكميّة.
يقول الله -تعالى- في كتابه: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)؛ فالقرآن الكريم سهلٌ ميسّر على من أراد أن يحفظه، ويقول القرطبي -رحمه الله- في معنى هذه الآية: إنّ الله -تعالى- سهّل حفظ القرآن وأعان عليه مَن يريد أن يحفظه، كما أنّ علوم القرأن تعدّ من أرفع العلوم وأعظمها؛ فالقرآن الكريم هو النور والشفاء والحكمة، وقد قدّم شيخ الإسلام ابن تيمية تعلّم القرآن الكريم على ما سواه من العلوم، سواءً العلوم الدنيويّة أو العلوم الدينيّة بفروعها وأصولها، فالأصل في كل ذلك هو البدء بحفظ القرآن الكريم وفهمه، والعمل به وفق منهج السلف الصالح، وفي ذلك اقتداء بهم -رضوان الله عليهم-؛ فقد كان حرصهم على القرآن الكريم لا مثيل له؛ فمنهم من أتمّ حفظه وهو في السابعة من عمره، ومنهم من حفظه كاملاً في أقل من شهر، ولعلّ أكبر ما يرتكبه طالب العلم في منهجه بطلبه للعلم من الأخطاء أن تراه لا يحفظ القرآن، أو حتّى لا يجيد قراءته.
موسوعة موضوع
العربية
