جاء النبي مُحمّد -صلى الله عليه وسلم- بالهداية للناس كافةً، وقد كان وقت بعثته في فترةٍ خلت من الرسالات والشرائع والدّيانات، وأول من بدأ النبي بدعوتهم كانوا أقرب الناس إليه، وأكثرهم منزلةً عنده، ثم توسعت الدعوة حتى بلغت جميع الناس، ولما واجه النبي وأصحابه التعذيب والتنكيل من أهل قريش في مراحل الدعوة الأولى سعى النبي لإيجاد مكانٍ آخر غير مكة تنطلق منه الدعوة الإسلامية، وكان من بين تلك الخيارات مدينة الطائف القريبة جغرافياً من مكَّةَ المكرمة، فما هي قصة النبي في الطائف؟ وما تفاصيلها وأبعادها؟ ذلك ما ستبحثه هذه المقالة بعد توفيق الله ومشيئته.
كانت الطائف تُمثِّل بُعداً مهماً بالنسبة لسادات قريش وكُبرائها، حيث إنها كانت مكاناً استراتيجياً لهم يملكون فيها بيوتاً يجعلونها كمصايف لما في طبيعة الطائف من جمال، ولتسييرهم قوافل تجارية إليها في الصيف كذلك، فكانت الطائف منتجع استجمامٍ ومكان تجارةٍ لسادات قريش وتجارها، وبعد أن يأس النبي -صلى الله عليه وسلم- من تكوين دولته في مكَّةَ فقد عزم على دعوة أهل الطائف إلى الإسلام، ولتنشأ في مدينتهم الدولة الإسلامية الحديثة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤمّل في الطائف وأهلها خيراً حينها، وقد ظن أن أهلها سيُرحّبون به ويستقبلونه على خلاف ما فعل أهل مكة، فيكونون نصيراً ومُعيناً له في دعوته.[
تزخر رحلة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف بالعظات والمواقف التي ينبغي الوقوف عليها مليّاً، فالمتمعّن في تلك الحادثة وما أعقبها من حوادث في الدولة الإسلاميّة تتجلى له أهمية تلك الرحلة وأثرها على المدى البعيد على مسار الدولة الإسلاميّة ككل
ومن أبرز ما يمكن أن يُستفاد من هذه الرحلة ما يلييُعتبر توجُّه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف بعد أن رفض كفار قريش الإيمان بدعوته والتصديق بها دليلاً على حرصه على الدعوة وإصراره على هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وأنه لم ييأس من موقف قومه المُعادي لدعوته، لا بل أنه سعى لإيجاد مأوى تنشأ فيه الدولة وتنمو حتى يبلغ غايته.