"آيات منيرة في أحداث السيرة (7) الحياة في المدينة.. عاش المسلمون في المدينة، وكان همُّهم الأول بناءَ المجتمع الإسلامي الجديد على أُسُس جديدة.. أُسُس بعيدة كل البعد عن الأحقاد والتعصُّبات المَقيتة التي كانت تعمُّ أرجاءَ القبائل في ذلك العصر؛ فقد حرَص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُطهِّر هذا المجتمعَ من كل آفات الحقد والغل ودعاوى الجاهلية، فكان أول ما قرره - صلى الله عليه وسلم - بناء المسجد النبوي الشريف، وجعله مكانًا لتجمع المسلمين وقت الصلاة، ومناقشة شؤون الدولة الإسلامية في غير أوقات الصلاة، ومكانًا يأوي إليه فقراءُ المسلمين يبيتون فيه إذ لا سكن لهم ولا بيوت.. فكان - صلى الله عليه وسلم - يعمل مع المسلمين في بناء المسجد، ولم يقعد، وعمِل معه المهاجرون والأنصار، وكانوا يقولون: اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخرة اللهم ارحم الأنصارَ والمهاجرة قال ابن إسحاق: يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا عيش إلا عيش الآخرة.. اللهم ارحم المهاجرين والأنصار. ثم شُرع الأذانُ لإشعار المسلمين بدخول وقت الصلاة، بعد أن تواطأت رؤيا عمر بن الخطاب وعبد الله بن زيد – رضي الله عنهما - على كيفية الأذان وكلماته، فأقرهما الرسول - صلى الله عليه وسلم.. ثم آخى الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار كما قال ابن القيم - رحمه الله -: ثم آخى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلًا، نصْفهم من المهاجرين، ونصْفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة، ويتوارثون بعد الموت دون ذوى الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عز وجل: ? وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ? [الأنفال: 75]، ردَّ التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوَّة. ا. هـ كما عمل - صلى الله عليه وسلم - على تنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم ممَّن حوْلهم مِن اليهود؛ فكان تعاملُه مع الجميع يجعل كل ذي لب وقلب سليم يحبه، ويصدقه؛ فقد قال عبد الله بن سلام: لمَّا قدِم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ جئتُ، فلما تبيَّنتُ وجهَه، عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما قال: ((يا أيها الناس، أفْشُوا السلام، وأطعِموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام))، رواه الترمذي، وصححه الألباني. وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يَدخل الجَنَّةَ مَن لا يأمنُ جارُه بوائقَه))، رواه مسلم. ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمنون كرجُل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله))، رواه مسلم. وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض، يرحمكم مَن في السماء، الرحم شجنة مِن الرحمن؛ فمَن وصَلَها وصَلَه اللهُ، ومَن قطَعَها قطَعَه اللهُ))، صححه الألباني. وغيرها من الأحاديث النبوية الكريمة، التي تدل على حض الإسلام على بث روح المحبة والإخاء وحسن التعامل مع المسلمين وغير المسلمين، ولكن تأبَى النفوسُ الخبيثة إلا أن تُظهِر نتنَها، وتُعلن عن غيظها.. رأى نبيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أن معاهدةً بين اليهود والمسلمين ضرورية في مثل هذا الوقت؛ لضمان العيش في سلام، ووضْع حدود للتعامل تكفل للمسلمين ولغيرهم الحياة في ظل نظام موحد واضح يسير عليه الجميع، ويتفرغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمتابعة أمور الدولة وتنظيم شؤونها؛ فكانت المعاهدة مع اليهود تَتْرُك لهم حرية اختيار الدِّين، وعدم إكراه أحد على الإسلام، وتترك لهم أيضًا حرية التصرف في أموالهم، وممتلكاتهم.. فكان مِن بنودها: • أن بينهم النصح والنصر على مَن يُحاربهم. • ما يكون بينهم مِن شجار أو خلاف، فإن مرده إلى الله – تعالى - وإلى رسوله – صلى الله عليه وسلم. • لا جوار لقريش وأتباعهم. • على الجميع النصر على مَن يُحارب يثرب أو يُريد مداهمتها، وكلٌّ عليه الحماية مِن جانبه. وهكذا نظَّم - صلى الله عليه وسلم - عَلاقةَ المسلمين مع جميع مَن حولهم، مما أثار غضب قريش؛ فصاروا يفكرون ويدبِّرون لقتْل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أقلق المسلمين.. تقول عائشة رضي الله عنها: أَرِقَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فقال: ((ليت رجلًا صالحًا مِن أصحابي يحرسني الليلة))، إذ سمعْنا صوتَ السلاح، قال: ((مَن هذا؟))، قيل: سعد يا رسول الله، جئتُ أحرسُك، فنام النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى سمعْنا غطيطه، رواه البخاري. وهكذا لم تكفَّ قريشٌ عن التربُّص بالمسلمين، والتعاون مع اليهود وبعضِ المنافقين، والتآمُر على المسلمين، والتضييق عليهم بكل السبل، والنيل منهم لصدِّهم عن دينهم؛ فكان الإذن لهم بالدفاع عن أنفسهم وعقيدتهم ودينهم، ونزل أول إذنٍ بقتال أعدائهم في ثلاث آيات بينات.. فما تلك الآيات؟ وفي أي أجزاء القرآن وردتْ؟ أدَع الجوابَ للقرَّاء؛ رغبةً في تفعيل مشاركاتهم.. "
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.