حدثت غزوة حنين في السابع من شوال من العام الثامن للهجرة، ويرجع سبب الغزوة إلى أنّ القبائل العربية التي حول مكّة، ومنها ثقيف وهوازن، كان لها ردة فعلٍ معاكسةٌ على فتح المسلمين لمكّة المكرّمة، فاجتمع روؤساء هذه القبائل، وسلّموا القيادة لسيد هوازن؛ وهو مالك بن عوف، وأجمعوا على مباغتة المسلمين قبل أن تتوطّد أركانهم في مكّة وتنتشر طلائعهم حولها، فتجهّز جيشهم وقرّر قائدهم مالك بن عوف الخروج بالنساء والأطفال والأموال إلى أرض المعركة؛ حتى يشعر جنوده أنّهم يقاتلون دفاعاً عن أهلهم ومالهم فلا يفرّون من أرض المعركة، فعارضه دريد بن الصمة؛ وهو أحد الفرسان المحنّكين أصحاب الخبرة والتجربة قائلاً: (وهل يردّ المُنهزم شيء؟ إن كانت الدائرة لك لم ينفعك إلا رجل برمحه وسيفه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك)، ولكنّ مالك لم يقبل رأيه وأصرّ على قراره.
بعد فرار هوازن وثقيف من أرض حنين، التجؤوا إلى حصون الطائف وتبعهم جيش المسلمين، وعلى الرغم من أنّ عدد الكفار كان ضعف أعداد المسلمين، ورغم الفضيحة التي أصابتهم؛ إذ إنّ النساء والأموال أصبحوا غنيمةَ للمسلمين، إلا أنّهم لم يفكروا في تصحيح الموقف والخروج من أزمتهم؛ لأنّ الرعب قد ضجّ في قلوبهم، ولمّا رأى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- تحصّنهم وعدم نزولهم للقتال، فرض عليهم حصاراً، ثمّ بدأ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يستخدم الوسائل لإخراجهم، فأمر سلمان الفارسيَ بصناعة المنجنيق؛ ليرمي به المسلمون حصون الطائف بالحجارة، وأمره بصناعة الدبابات الخشبية؛ ليحتمي الجنود بها من سهام العدو عند التقدّم إلى الحصن، وبالفعل تمكّن المسلمون من كسر جزءٍ من سور الحصن، ثمّ حاولوا اقتحامه، إلا أنّ أهل الطائف باغتوهم باستخدام الحسك المحمّى، فأوقعوا إصاباتٍ بالغةً في صفوف المسلمين، وأجبروهم على التراجع، ولكنّ رسول الله لم ييأس من خروجهم، وأمر بحرق مزارع العنب المحيطة بالطائف؛ ليجبرهم على الخروج والقتال، فطلبت ثقيف من النبي -عليه الصّلاة والسّلام- أن يدع أشجار العنب، فإن انتصر كانت للمسلمين وإن انسحب تركها لله والرحم، فتركها لله والرحم، ثمّ أمر رسول الله بالنداء على الحصون؛ أنّ أيّ عبدٍ يخرج إلى المسلمين فهو حرٌّ، فخرج ثلاثة وعشرون عبداً، ثمّ أسلموا وأخبروا رسول الله بمعلوماتٍ مهمّةٍ؛ مفادها أنّ ثقيف لديها من الطعام والشراب ما يكفيهم لمدة عامٍ كاملٍ، فاستشار النبي -عليه الصّلاة والسّلام- أصحابه رضي الله عنهم، فقال نوفل بن معاوية الديلي: (هم ثعلبٌ في جحرٍ، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرّك)؛ يعني بذلك أنّ شوكة ثقيفٍ قد كسرت، وفضحوا بهزيمتهم، ولن يضرّوا المسلمين بعد ذلك، ولكنّ حصارهم قد يطول ويترتّب عليه مفاسد أخرى، فأخذ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- برأيه