عمرة القضاء

الكاتب: مروى قويدر -
عمرة القضاء

عمرة القضاء.

 

 

وقعت عمرة القضاء في أواخر العام السابع من الهجرة النبوية، وهي العمرة التي تم الاتفاق عليها بين النبي عليه الصلاة والسلام وقريش في صلح الحديبية، حيث خرج الرسول عليه الصلاة والسلام مع ألفين من الصحابة رضي الله عنهم، حاملين معهم السلاح الكثير والثقيل، استعداداً وتحسباً لخيانة قريش لهم، رغم أن الاتفاق بينه وبين قريش كان الدخول بسلاح المسافر فقط، إلا أن قريشاً عندما رأت الرسول ومن معه من الصحابة وما معهم من الأسلحة فزعت، فأرسلت وفداً برئاسة مكرز بن حفص، ليتبيّنوا أمرهم، قائلين للرسول عندما التقوا به ببطن يأجج بمر الظهران: (يا محمد؛ والله ما عرفناك صغيراً ولا كبيراً بالغدر، تدخل بالسلاح الحرم على قومك، وقد شرطتَ ألّا تدخل إلّا على العهد، وأنه لن يدخل الحرم غير السيوف في أغمادها)، فأجابه الرسول بأنه يريد دخول مكة كما تم الاتفاق، فالرسول لم يستغلّ ضعف قريش وخوفهم بقتالهم واسترداد حقوق المسلمين.


بعد ذلك أخبر مكرز قريش بنيّة الرسول، قائلاً لهم: (إن محمداً لا يدخل بسلاح، وهو على الشرط الذي شرط لكم)، وعندما أراد الرسول عليه الصلاة والسلام الدخول إلى مكة ترك السلاح خارجها، وجعل محمد بن سلمة أميناً عليها، مع مئتي فارس، ثمّ دخل مكة مع باقي الصحابة واضعين السيوف بأغمادها، وقامت قريش بإخلاء مكة للمسلمين ثلاثة أيام لأداء مناسك العمرة، كما تم الاتفاق معهم، فأدى المسلمون العمرة بكل راحة وأمن وأمان، وانتهت الأيام الثلاثة التي تم الاتفاق عليها بزواج الرسول عليه الصلاة والسلام من ميمونة بنت الحرث العامرية الهلالية، خالة خالد بن الوليد الذي كان من زعماء قريش، كما أنها أخت زوجة العباس بن عبد المطلب.


وبزواج الرسول من ميمونة تغيّرت نظرة خالد بن الوليد للمسلمين، فأسلم بعد مدة قصيرة من تلك الأحداث، وبعد انتهاء الثلاثة أيام أرادت قريش إخراج المسلمين من مكة، فأرسلت لهم سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى، فتحدثا مع الرسول بغلظة، إلا أنه أجابهما بلطف قائلاً لهما: (وَمَا عَلَيْكُمْ لَوْ تَرَكْتُمُونِي فَأَعْرَسْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَصَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا فَحَضَرْتُمُوهُ)، فأجاباه قائلا: (لا حاجة لنا في طعامك، فاخرج عنَّا)، فخرج الرسول من مكة وفاء بالعهد الذي قطعه.

 

مناسك العمرة:

 

تبدأ مناسك العمرة بتجرّد المعتمر من ثيابه، ثمّ الغسل كغسل الجنابة، ثمّ يتطيّب بأجود الطيب وأحسنه في الرأس واللحية، ولا ضرر من بقاء آثار الطيب بعد الإحرام، حيث روى الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت عن النبي عليه الصلاة والسلام: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذا أراد أن يُحرِمَ ، يتطيَّبُ بأطيبِ ما يَجِدُ . ثم أرى وبيصَ الدُّهنِ في رأسِه ولِحيتِه ، بعد ذلك).


وتجدر الإشارة إلى أن الاغتسال للإحرام للعمرة سنّة في حقّ الرجال والنساء جميعنه، حتى الحائض والنفساء منهن، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس رضي الله عنها بالاغتسال عند الإحرام، وبعد الاغتسال يرتدي المعتمر ملابس الإحرام، وإن كان الإحرام في وقت صلاة الفريضة فيشرع المعتمر بالصلاة، وإن لم يكن الوقت وقت فريضة يؤدي ركعتين بنيّة سُنّة الوضوء، وتُستَثنى مما سبق الحائض والنفساء، ثمّ يشرع بالتلبية قائلاً: (لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)، والمعتمر الرجل يرفع صوته بالتلبية دون المرأة.


ومن الجدير بالذكر أن المعتمر إن خشي من عدم إتمام نسك العمرة فعليه الاشتراط عند الإحرام بقول: (إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)، أي أن المعتمر يتحلّل من إحرامه دون أن يترتّب عليه شيء، وذلك إن لم يستكع إتمام نسك العمرة بسبب مرض أو عائق ما، أو أي أمر آخر، وبدخول مكة يستلم المعتمر الحجر الأسود باليد اليمنى، ليشرع في الطواف جاعلاً الكعبة عن يساره، ويتضمّن الطواف الاضطباع في حقّ الرجال، وكذلك الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، ثمّ يصلّي ركعتين خلف مقام إبراهيم، ثمّ يشرع في السعي بين الصفا والمروة مبتدأً بالصفا، وتجدر الإشارة إلى أن السعي من الصفا إلى المروة شوط، والعودة من المروة إلى الصفا شوط آخر، وهكذا حتى يتم سبعة أشواط، وعند الانتهاء من السعي يتحلّل المعتمر الرجل بالحلق، والمرأة بالتقصير قدر أنملة.

 

عمرة القضاء دروس وعبر:

 

تضمنت عمرة القضاء العديد من الدروس والعبر والدلالات التي تمثّلت بالعديد من الوقائع التي حصلت قيها، وفيما يأتي بيان جانب منها:

  • كانت عمرة القضاء بمثابة الخطوة التي مهّدت لفتح مكة، فالمسلمون كانوا كاليد الواحدة محيطين بالرسول عليه الصلاة والسلام أثناء أداء مناسك العمرة، بكل عِزّة وقوة ومنعة، وذلك كان سبباً في زعزعة نفوس المشركين، الذين كانوا يتصوّرون ضعف المسلمين لاعتقادهم بأنّ هذا ما سيؤول عليه حالهم بسبب تأثرهم بسوء مناخ يثرب، وإصابتهم بالحُمّى، فإظهار المسلمين لقوتهم أمام الكفار كانت من عوامل فتح مكة، ومما يدل على ذلك ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنه، حيث قال: (قدم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأصحابُهُ، فقال المشركونَ: إنه يقدُم عليكُم وفدٌ، وهَنتْهُم حُمَّى يثربَ).
  • الحرص والحذر من المشركين والكفار، بأخذ الاحتياطات وإعداد العدة التي تزرع الخوف في نفوس الكفار، فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمن من غدر الكفار أو خيانة عهدهم كعادتهم.
شارك المقالة:
389 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook