بعث الله تعالى نبيَّه محمّداً -عليه الصَّلاة والسَّلام- برسالة الإسلام خاتمة الرسائل السَّماويَّة، وسخَّر لها من أسباب الحفظ ووسائله ما يؤهّلها لتكون خالدةً صالحةً لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، وقد لاقت دعوة الإسلام الكثير من العوائق منذ بداية النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- بها، فالتفَّت حولها من الحامون القائمون على نشرها، فشهد لهم النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- بذلك، فقال فيهم: (خيرُ النَّاسِ قَرني، ثمَّ الَّذين يَلونَهم، ثمَّ الَّذين يَلونَهم، ثمَّ يجيءُ أقوامٌ تَسبقُ شهادةُ أحدِهم يمينَهُ، ويمينُه شهادتَه)، فكان الصَّحابة -رضي الله عنهم- حامي الدعوة، وحاملي لواء نشرها وتبليغها، في حياة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وحتّى بعد وفاته.
جاء بعد ذلك عهد الخلفاء الرَّاشدين، فأكملوا المسيرة بعد رسول الله الذي أوصى بهم، فقال: (فعليكم بسُنّتي وسُنّةِ الخلفاءِ الراشدين المَهْدِيّين، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ)، وقد تميّزت شخصيات الخلفاء الرَّاشدين -رضي الله عنهم- بصفاتٍ جليلةٍ ومناقب عظيمةٍ، جعلت منهم مثلاً يُحتذى، وقدوةً وأسوةً حسنةً للمسلمين جميعهم. وفي هذا المقال، تعريفٌ بأحد الخلفاء الرَّاشدين؛ الخليفة الثَّاني وأمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وحديثٌ عن صفةٍ من أجلِّ صفاته؛ صفة التَّواضع التي كانت علامةً في شخصيّته، حيث سُطِّرت مواقف كثيرةٌ من حياته -رضي الله عنه- تجلّت فيها هذه الصِّفة.
أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الرَّاشدين، (عمر بن الخطَّاب بن نفيل بن عبد العزَّى بن رباح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي) القرشي، وقد أسلم -رضي الله عنه- وهو في السَّابعة والعشرين من عمره وكان ذلك في السَّنة السَّادسة من بعثة النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، وجاء في الأثر أنَّه -رضي الله عنه- كان قويّ البنية، طويل الجسم، أبيض، يُخالط بياضَ وجهه حُمرةٌ.
لعمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- عددٌ من الزَّوجات، منهنّ زينب بنت مظعونٍ، وأنجبت له أمّ المؤمنين حفصة، وعبد الله، وعبد الرّحمن رضي الله عنهم جميعاً، وتزوَّج عمر جميلة بنت ثابت بن الأقلح الأنصاريّة، وولدت له عاصماً رضي الله عنهم، كما تزوَّج -رضي الله عنه- عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وأنجبت له ولداً واحداً هو عياض، وتزوَّج حفيدة رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنهما، وأنجبت له زيداً ورقيَّة رضي الله عنهما.
استُشهِد أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- على إثر طعنةٍ غادرةٍ من يدَي أبي لؤلؤة المجوسي، وهو -رضي الله عنه- واقفٌ يصلّي بالنَّاس صلاة الفجر، وقد كان ذلك سنة ثلاثٍ وعشرين من الهجرة، واستشهد -رضي الله عنه- وهو في الثالثة والسِّتين من عمره، بعد خلافةٍ امتدَّت لعشر سنواتٍ ونصف السَّنة على أرجح ما جاء في الرّوايات والآثار.
التَّواضع خُلقٌ رفيع، وخصلةٌ حسنةٌ، تتعدّى آثارها الطيّبة من تخلَّق واتَّصف بها إلى غيره من النَّاس، بل والمجتمع ككلّ، وقد أمر النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- بتخلُّق هذا الخُلق الحَسَن، فقال: (يا جريرُ: تواضَعْ لله، فإنّه من تَواضعَ لله في الدنيا رفعَه اللهُ يومَ القيامةِ...)، وفي مقابل ذلك فقد ذمَّ الكِبر -نقيض التَّواضع- أيّما ذمٍّ؛ إذ جُعِلت صفة الكِبر الذّميمة سبباً في الحرمان من الجنة ونعيمها، فقد روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قوله: (لا يدخلُ الجنَّةَ من كان في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ من كِبرٍ).
وقد اتَّصف عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- بالتَّواضع قبل تولّيه خلافة المسلمين وبعدها، وقد شهدت له مواقف عديدةٌ وحوادث كثيرةٌ باتِّصافه بهذه الخصلة وتمثُّله لهذه الصِّفة، ومنها على سبيل التَّمثيل لا الحصر:
موسوعة موضوع