شروط الصيام

الكاتب: رجا السهوي -
شروط الصيام

شروط الصيام.

 

 

الصيام

يعتبر الصيام من العبادات التي تزيد المرء قرباً من الله سبحانه وتعالى، وهو بأصل وجوده قديمٌ؛ فلم يكن الصيام في الإسلام بِدعاً من الديانات السّابقة، حيث ثبت في القرآن والسُّنة أنّ هنالك من الأنبياء والرُّسل من صام قبل مجيء الإسلام وقبل أن يُفرض الصيام على المسلمين، ومن الأنبياء الذين عُرف عنهم الصيام بل واشتهروا به داود -عليه السّلام-؛ وذلك لما ورد عن النبي -عليه الصّلاة والسّلام- من قول عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: (أُخبِرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أني أقولُ: واللهِ لأصومَنَّ النهارَ، ولأقومَنَّ الليلَ ما عِشتُ، فقُلْتُ له: قد قُلْتُه بأبي أنت وأمي، قال: فإنك لا تستطيعُ ذلك، فصُمْ وأفطِرْ، وقُمْ ونَمْ، وصُمْ من الشهرِ ثلاثةَ أيامٍ، فإن الحسنةَ بعشْرِ أمثالِها، وذلك مثلُ صيامِ الدهرِ، قُلْتُ: إني أُطيقُ أفضلَ من ذلك، قال: فصُمْ يومًا وأفطِرْ يومَين قُلْتُ إني أُطيقُ أفضلَ من ذلك، قال: فصُمْ يومًا وأفطِرَ يومًا فذلك صيامُ داودَ عليه السلامُ، وهو أفضلُ الصيامِ، فقُلْتُ: إني أُطيقُ أفضلَ من ذلك، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا أفضلَ من ذلك)؛ فالحديث يُثبت أنّ أفضل الصيام هو صيام داود -عليه السلام- الذي كان يصوم يوماً ويُفطر يوماً، وكذلك جاء في كتاب الله في آيات الصيام ما يُثبت أنَّه كان مفروضاً على الأمم السابقة التي جاءت قبل الإسلام، ومن ذلك قول الله -سبحانه وتعالى- في سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

 

 

فرض شهر رمضان

بعد أن رسَّخت الدعوة الإسلامية مفهوم التّوحيد ومكنوناته في نفوس المسلمين، واستقر الإيمان في قلوبهم وعقولهم، انتقل المُشرِّع الكريم إلى فرض الأمور العمليّة والتكاليف الشرعيّة القائمة على العمل المُعاين، وحينها جاءت فرضيّة الصيام فُرض على المسلمين صوم شهر رمضان المُبارك في يوم العاشر من شهر شعبان من السّنة الثّانية من هجرة النبي -عليه الصّلاة والسّلام- إلى المدينة، وكان ذلك بعد قول الله -سبحانه وتعالى- في سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

 

 

تعريف صيام رمضان

صيام رمضان لفظة من شقّين لكلٍ منهما مدلولها الخاص ومعناها المستقل، فإذا ما أُفرِدت إحداهما بالذكر لم تُغنِ عن ذكر الأخرى؛ وذلك لتعلّقها بها، لذلك ينبغي بيان معنى كلِّ لفظةٍ منهما على حدة، وفيما يأتي بيان ذلك:

  • الصّيام لغةً: هو الإمساك عن الأكل والشُّرب وكلِّ شيءٍ سكنت حركته وتوقفت، فقد صام صوماً وصياماً.
  • الصّيام اصطلاحاً: هو الإمساك عن الطّعام والشّراب والشّهوات وسائر المفُطِّرات الحسيّة.
  • رمضان في لغةً: من الرَّمض: وهو حرّ الحجارة الناتج عن شدّة حرّ الشّمس، والاسم المشتق منه الرّمضاء، وقد سُميّت الصحراء بالرمضاء لشدّة حرّها، وأرض رَمضة بالحجارة، ومن هنا جاء سبب تسمية رمضان بذلك؛ لكونه فُرِضَ في وقت اشتداد الحر.
  • رمضان اصطلاحاً: هو اسمٌ لشهرٍ من الأشهر الهجريّة المعروفة، وقيل في سبب تسميته أنَّ العرب لما أرادوا تسمية الشهور العربية أعطوها أسماءً خاصّةً بالأزمنة التي وقعت فيها التسمية، فوافق شهر رمضان أيام رمض الحرّ واشتداده، فُسمِّي بذلك.

 

ثبوت هلال شهر رمضان المبارك

يثبُت شهر رمضان ويجب برؤية الهلال؛ فإن تعذَّر على المسلمين رؤية الهلال لمانعٍ معنويٍّ أو حسيّ، كوجود غيم أو غيره، فإنّه يجب على المسلمين إتمام عدّة شعبان ثلاثين يوماً، وهو قول جمهور الفقهاء، وذلك لما رُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النّبي عليه الصّلاة والسّلام قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين).[١٠]


أما عدد من يثبت بهم رؤية هلال رمضان فقد اختلف فيه الفقهاء على النحو الآتي:

  • يرى جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة أن شهر رمضان يثبت برؤية شاهدٍ واحدٍ عدلٍ ثقة، واشترط الحنفية لجواز ذلك أن يكون في السماء علّة يعتذر معها رؤية أكثر من ذلك، كوجود الغيم والغبار، فإذا زالت العلة عندهم فلا تثبت الرّؤية إلا بشهادة اثنين أو أكثر عند الحنفية، وقد استدلّ أصحاب هذا القول (ثبوت شهر رمضان برؤية عدلٍ واحد) بما رُوِيَ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: (تراءى النّاس الهلال، فأخبرتُ النّبي عليه الصّلاة والسّلام أني رأيته فصامه، وأمر النّاس بصيامه).
  • يرى المالكيّة وبعض علماء الشافعيّة أنّ رؤية هلال شهر رمضان لا تثبت إلا بشهادة عدلَين ثقتين، وذلك لما رواه الحسين بن الحارث الجدلي قال: (إنّ أمير مكّة الحارث بن حاطب قال: عهد إلينا رسول الله عليه الصّلاة والسّلام أن نُنسك للرّؤية، فإن لم نره وشهد شاهداً عدل نسكنا بشهادتهما).

 

 

شروط صيام رمضان

يُشترط لصحَّة الصيام ووجوبه مجموعة من الشروط؛ منها ما يختصُّ بالصائم نفسه، ومنها ما يختصُّ بالوقت ومنها شروط أخرى، وبيان تلك الشروط فيما يأتي:

 

شروط الوجوب

يُشترط لوجوب الصيام على المسلم وترتُّب الحكم الشرعيّ عليه من حيث الأجر والإثم ثلاثة شروط، وهي كما يأتي:

  • البلوغ: فكما أنّ جميع العبادات لا تجب على من لم يبلغ الحُلُم فإنّ الصيام كذلك لا يجب على الصبي حتى إن كان مُميِّزاً، إنما يجب على والد الصبيِّ المُميّز أو والدته أو من يتولى شؤونه إن كان يتيماً أن يأمره بالصّيام إذا كان ممّن يقدر عليه، حتى يعتاد الصيام إذا كبُر ويعلم أهميّته وضرورة صيامه، وحُرمة الإفطار في رمضان.
  • القدرة: فإنّ الصّيام لا يجب على عاجزٍ عنه مهما كان سبب ذلك العجز؛ كالكبر في العمر، أو إصابته بمرضٍ يستحيل معه الصيام، أو مرضٍ يُؤثّر فيه الصيام ويُؤخّر من شفاءه، لقول الله سبحانه وتعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ).
  • الإقامة والاستقرار: فإن الصّيام لا يجب على المسافر، ويجوز له، بل ينبغي عليه الإفطار آخذاً بالرُّخصة في ذلك، ثم إذا استقرّ ورجع من سفره يقضي ما فاته من أيام رمضان، وذلك لقول الله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).

 

شروط الصحة

يُشتَرط لصحّة الصيام، وقَبوله من الصائم، ووقوعه صحيحاً غير باطلٍ ولا فاسدٍ ما يأتي:

  • النية: فكلُّ العبادات تقترن بالنيَّة وتصحُّ بها أو تبطل، وينبغي على الصائم إذا أراد الصيام أن ينوي لذلك قبل دخول وقت الصيام، فينوي قبل أذان الفجر مُباشرةً، ويجوز له أن ينوي في بداية دخول شهر رمضان فيشمل الشهر كاملاً بالنية، لكنَّ السُنّة والأحوط والأفضل أن يُفرد كلَّ يومٍ من أيام شهر رمضان بنيَّةٍ مخصوصة.
  • التمييز: فلا يصحّ الصيام من الصبيّ غير المُميّز حتى إن صام، ولا يترتّب على صيامه أثراً من الأجر أو العقاب لعدم معرفته بمقصود الصيام وغايته.
  • الزمان: فلا يُقبَل الصيام ولا يجوز في الأيام التي حُرِّم صيامها، كيوم العيد، ولا يجوز صيام رمضان إلا إذا حلَّ وقته، كمن استقدم رمضان بأيام بِنيّة اعتبارها منه.

 

شروط الوجوب والصحة معاً

وهذه الشروط تجب على كل من أراد الصيام، كبيراً كان أم صغيراً، ذكراً كان أم أنثى، فلا يجب الصيام ولا يصحّ ولا يُقبَل إذا فُقد أحدها:

  • الإسلام: فالكافر والمُرتّد ليسا من أهل التكليف، وبالتالي لا يُقبَل منهما ما يقومان به من أعمال وعبادات حتى إن صاما أو صلّيا وصادف ذلك ما يقوم به المسلمون حقيقةً.
  • العقل: لأن العقل مَناط التكليف، فلا يجب الصيام ولا يُقبَل ولا يصحُّ من غير عاقلٍ كمجنونٍ أو صبي أو مُغمىً عليه، وإن صام أحد هؤلاء لم يُقبَل منه، وإن قُبل صيامه فإنه لا يترتب عليه حكمٌ شرعيّ.
  • الطهارة من دم الحيض والنفاس: فالحائض والنفساء لا يجوز لهما الصيام، وتُؤثمان إن فعلتا ما دامتا في تلك الحال، ويجب عليهما القضاء بعد طهارتهما.

 

 

شارك المقالة:
338 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook