"حدث في حروب الردة جاء وفد أهل البحرين - وهم مِن بَكر وتَغلب مِن قبائل ربيعة - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأعلَنوا إسلامَهم، فأمَّر عليهم المنذر بن ساوى، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ارتدَّت قبيلة بكر فيمَن ارتدَّ من المسلمين، وقالت بنو عبد القيس مِن تغلب: لو كان محمدٌ نبيًّا لَمَا مات، وارتدُّوا عن الإسلام، وقد رُزقَت عبدُ القيس رجُلًا عاقلًا أريبًا، هو: الجارود بن المعلى، ثناهم عن ردَّتهم مِن نفس الحجَّة التي قالوها. كان الجارود قد وفد إلى رسول الله، فدعاه إلى الإسلام، فقال: إنَّ لي دينًا، فقال رسول الله: ((ليس دينُك بشيء))، قال: فإنْ أسلمتُ، فتبعة الإسلام عليك؟ قال رسول الله: ((نعم))، فأسلَمَ وبقيَ في المدينة زمنًا، حتى فقه في الإسلام، ثم عاد إلى قومه. وقد آلمتْهُ ردَّة قومه عن الإسلام، فوقف فيهم خطيبًا: (يا معشر عبد القيس، إني سائلكم عن أمْر، فأخبروني إنْ عَلِمْتموه، قالوا: سل عمَّا بدا لك. قال: تعلمون أنه كان أنبياء فيما مضى؟ قالوا: نعم. قال: تعلمونه أم ترونه؟ قالوا: لا، بل نعلمه. قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا. قال: فإنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم مات كما ماتوا، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، قالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنتَ سيِّدُنا وأفضلُنا، وعادوا إلى إسلامهم. وجعَل المرتدُّون مِن بكر عليهم أميرًا: الحطم بن ضبيعة، فنزل بهم القطيف وهجر، وحاصروا الجارود ومَن معه مِن المسلمين في جواثا، واشتدَّ الحصار على المسلمين، حتى كاد الجوع أن يُهلكهم. فأَرسلَ أبو بكر جيشًا لمحاربة المرتدِّين في البحرين، بقيادة العلاء بن الحضرمي، وعندما مرَّ باليمامة انضمَّ إليه بعضُ بني حنيفة. قال بنجاب بن راشد: فسلك بنا العلاءُ الدهناء - الصحراء المعروفة - حتى إذا كنا في بحبوحتها، فأراد الله أن يُريَنا آياته، نزل العلاء، وأمر الناس بالنزول، فنفرَت الإبل في جوف الليل، فما بقي لنا بعير ولا زاد، فأصابنا مِن ذلك غمٌّ كبير، وحسبنا أننا هلكنا، فوقف فينا العلاء قائلًا: أيها الناس، لا تُراعوا! ألستم مسلمين؟! ألستم مجاهدين في سبيل الله؟! ألستم أنصار الله؟! قالوا: بلى. قال: فأبشروا! فوالله لا يَخْذل اللهُ مَن كان في مثل حالكم، ونادى المنادي بصلاة الصبح عند طلوع الفجر، فصلَّى بنا، ومنا المتيمِّم، ومنا مَن لم يزل على طهوره، فلما قضى صلاته، راح يدعو الله، وندعو معه، فلمع لهم سراب الشمس، فقال: رائد ينظر، ففعل ثم رجع، فقال: سراب. فأقبل على الدعاء، ثم لمع لهم آخر، وآخر، حتى وجدوا الماء، قال بنجاب: فمشينا إلى الماء، حتى نزلنا عليه فشربنا واغتسلنا، وما تعالى النهار حتى أقبلَت الإبلُ تجمع مِن كل وجه، فأناخت علينا، فقام كل رجل إلى ظهره، فأخذه، ثم أوريناه). "
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.