أمر الله -سبحانه وتعالى- نبيه نوحاً عليه الصلاة والسلام بعد أن كذَّبه قومه ولم يؤمنوا به ولم يستجيبوا لدعوة الحق التي جاءهم بها، أن يصنع سفينةً يحمل عليها من آمن معه من قومه، ويترك الباقين ليلقوا جزاء تكذيبهم لنبيّ الله نوح وصدِّهم عن دين الله، فبدأ نوح -عليه السلام- بصنع تلك السفينة التي أمره الله بها، فما قصّتها، وكيف صنعها نوح عليه السلام؟
لما بُعِث نوح -عليه السلام- كان قومه عاكفين على عبادة الأصنام، كما طغوا في أرض الله وأفسدوا فيها وتمرّدوا واستكبروا، ومع كلّ ذلك استمرّ نوح -عليه السلام- يدعوهم إلى عبادة الله، وترك ما كان يعبد آباؤهم من دون الله، حتى قضى فيهم تسعمئة وخمسين سنة، إلا أنّهم مع كلّ ذلك لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به، ولم يستمعوا لنُصحه لهم بأنّهم إن استمرّوا على الكُفر فسيأتيهم من الله عذاب أليم، فزادوا في طغيانهم واستكبارهم، كما اتّهموه بالكذب، وقالوا: إنَّ من يتبعه هم فقراء القوم وضعفاؤهم، الذين لا يُؤبَه بحديثهم ولا يوجد لهم فكر، وأنكر شرفاؤهم نبوّته، وآذوه وكذّبوه.
ورغم كلّ ذلك لم يُبالِ نوح -عليه السلام- بكلامهم وتهديدهم له، بل استمرَّ في دعوته لهم حتّى استيأس منهم؛ بسبب ازدياد طغيانهم واستكبارهم، فلجأ إلى ربّه، فدعاه أن يُهلكهم؛ لطغيانهم وعتوّهم وعدم استجابتهم لدعوته، فاستجاب الله -تعالى- لدعاء نبيّه، وجاء الأمر لنوح -عليه السلام- بأن يصنع السفينة، أي أنّ سيّدنا نوحاً -عليه السلام- لم يُباشر بصنع السفية إلا بعد أن أمره الله -سبحانه وتعالى- بذلك، بعد أن يئِس من إيمان باقي قومه؛ حيث جاء أمر بناء السفينة من الله سبحانه وتعالى، حيث قال: (وَأوحِيَ إِلى نوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤمِنَ مِن قَومِكَ إِلّا مَن قَد آمَنَ فَلا تَبتَئِس بِما كانوا يَفعَلونَ*وَاصنَعِ الفُلكَ بِأَعيُنِنا وَوَحيِنا وَلا تُخاطِبني فِي الَّذينَ ظَلَموا إِنَّهُم مُغرَقونَ).
عندما جاء وعد الله إلى قوم نوح وظهرت بوادر العذاب بتفجُّر الينابيع، وانفراج السماء بالمطر الغزير، أسرع سيّدنا نوح -عليه السلام- بفتح السفينة؛ ليُدخِل فيها من آمن برسالته، كما حمل فيها من كلّ حيوان زوجين اثنين؛ ذكراً وأنثىً؛ ليستمرّ وجود جميع المخلوقات على الأرض. وبعد أن حملت السفينة من آمن من قوم نوح وغيرهم من هوام الأرض ودوابها، ارتفعت المياه في مناحي الأرض من شتّى الجهات، واشتدَّ المطر حتّى التقت مياه الأمطار بمياه ينابيع الأرض، وارتفع الموج وازدادت شدّته، فعمَّ اليابسة من شِدّته، فغرقت الأرض، ولم يبق من الأحياء إلا من ركب السفينة مع نوح عليه السلام، وفي ذلك الوقت جرت سفينة نوح وسط الأمواج، وقد استمرّ الطوفان زمناً لا يُعرَف مقداره، حتى جاء أمر الله بأن تكفّ الأمطار عن الانهمار، وأن تبتلع الأرض ما أخرجته من مياه، وأن ترسو السفينة وتستقرّ على جبل الجوديّ.
وكان من بين الكافرين الذين لم يؤمنوا برسالة نوح -عليه السلام- زوجته وابنه، حيث قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)، وقال تعالى: (وَنادى نوحٌ ابنَهُ وَكانَ في مَعزِلٍ يا بُنَيَّ اركَب مَعَنا وَلا تَكُن مَعَ الكافِرينَ*قالَ سَآوي إِلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّهِ إِلّا مَن رَحِمَ وَحالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكانَ مِنَ المُغرَقينَ).
ذكر القرآن الكريم اسم الجبل الذي استقرّت عليه سفينة نوح عليه السّلام؛ إذ أشار إلى أن اسم ذلك الجبل وهو جبل الجوديّ، إلا أنّه لم يرد ذكر مكان هذا الجبل، قال تعالى: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
وفي مكان وجود جبل الجوديّ اختلاف بين أهل العلم، وبيان هذا الاختلاف على النحو الآتي:
موسوعة موضوع