حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع الصغار

الكاتب: المدير -
حوار النبي  صلى الله عليه وسلم  مع الصغار
"آيات منيرة في أحداث السيرة (2)   بعدما استقرَّتِ الحياةُ في المدينة بدأ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بتنظيم علاقة المسلمين مع غيرهم؛ لتوفير الأمن والسلام، فقد عقد معاهدة مع اليهود، قرَّر لهم فيها النصح والخير، وترك لهم الحرية في الدين والمال، ولم يتجه إلى سياسة الإبعاد أو الخصام‏، كما عاهد - صلى الله عليه وسلم - غير اليهود بمثل ما عاهد به اليهود.   وقد كان حريصًا على تنفيذ ما جاء في هذه المعاهدة، وفعلًا لم يأت من المسلمين ما يخالف حرفًا واحدًا من نصوصها‏.‏   ولكن اليهود، وكعادتهم وما عُرف عنهم مِن حُبِّهم للغدر والخيانة ونكْث العهود، لم يلبثوا أن تمشَّوا مع طبائعهم الخبيثة، وأخذوا في طريق الدَّسِّ والمؤامرة والتحريش وإثارة القلق والاضطراب في صفوف المسلمين‏.   قال ابن إسحاق‏:‏ مَرَّ شاس بن قيس - وكان شيخًا ‏يهوديًا‏، عظيم الكفر، شديد الحقد على المسلمين، شديد الحسد لهم - على بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن الأوس والخزرج في مجلس لهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأي مِن أُلفتهم واجتماعهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، وتذكَّر ما كان بينهم مِن العداوة في الجاهلية فقال‏:‏ قد اجتمع ملأ بني قَيْلَةَ بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها مِن قرار.   فأمر فتًى شابًّا مِن يهود كان معه، فقال‏:‏ اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بُعَاث وما كان مِن قبله، وأنشِدهم بعضَ ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعَل، فتكلم القومُ عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان مِن الحيَّيْنِ على الركب فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه‏: إنْ شئتم رددناها الآن جَذَعَة - يعني الاستعداد لإحياء الحرب الأهلية التي كانت بينهم - وغضب الفريقان جميعًا، وقالوا‏:‏ قد فعلْنا، موعدكم الظاهرة - والظاهرة‏:‏ الحَرَّة - السلاح السلاح، فخرجوا إليها. ‏وكادت تنشب الحرب‏‏.‏   فلما بلغ ذلك رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خرج إليهم فيمَن معه مِن أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال‏:‏ ‏((‏يا معشر المسلمين، الله الله، أَبِدَعْوَى الجاهليةِ وأنا بين أظهُركم، بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمْر الجاهلية، واستنقذكم به مِن الكفر وألَّف بين قلوبكم)‏)‏.   فأدرك المؤمنون أنها نزْغة مِن الشيطان، وكيْد مِن عدوِّهم، فبكوا، وعانق الرجال مِن الأوس والخزرج بعضهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مُطيعين، قد أطفأ اللهُ عنهم كيدَ عدوِّ الله شاس بن قيس‏.   هكذا كان اليهود يُحاولون إثارة القلاقل والفتن في المسلمين، وإقامة العراقيل في سبيل الدعوة الإسلامية، وقد كانوا يُخطِّطون كثيرًا للنَّيل منهم، وإيغار صدورهم بكل ما يستطيعون، وإلى الآن هذا دأبهم.   فكانوا يَبُثُّون الدعايات الكاذبة، ويُؤْمِنون وَجْهَ النهار، ثم يكفرون آخره؛ ليزرعوا بذورَ الشك في قلوب ضعفاء الإيمان، وكانوا يُضيِّقون سُبل المعيشة على مَن آمن على قدْر استطاعتهم، فإن كان له عليهم يأكلونه بالباطل، ويمتنعون عن أدائه، وكانوا يمتنعون عن إقراضهم ويقولون‏:‏ إنما كان علينا قرضك قبل أن تُبدِّل دِينك...   وغيرها مِن تلك الأفاعيل الخبيثة.   وكانوا يفعلون كل ذلك قبل بدرٍ على رغم المعاهدة التي عقدوها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم.   وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يصبرون على كل ذلك؛ حرصًا على رشدهم، وعلى بسْط الأمْن والسلام في المنطقة‏.‏   وبعد أن رأوا أن الله قد نَصَر المؤمنين نصْرًا مُؤَزَّرًا في ميدان بدر، وأنهم قد صارت لهم عزة وشوكة وهيبة في قلوب القاصي والداني‏.‏   تميَّزت قدر غيظِهم، وكاشفوا بالشر والعداوة، وجاهروا بالبغي والأذى‏.‏..   وكانت شرَّ طائفة مِن طوائفهم الثلاث هم يهود بني قينقاع...   كانوا يسكنون داخل المدينة في حيِّ قينقاع، وكانوا صاغة وحدادين وصُنَّاع الظروف والأواني، وبسبب هذه الحِرَف كانت قد توفرت لكل رجل منهم آلات الحرب...   وكان عدد المقاتِلين فيهم سبعمائة، وكانوا أقبح وأغلظ يهود المدينة، وكانوا أولَ مَن نكَث العهد والميثاق مِن اليهود‏.‏..   فلما فتح الله للمسلمين في بدر، اشتدَّ غيظهم، وملأ الحقد قلوبهم، وزادوا في تحرشاتهم واستفزازاتهم، فكانوا يُثيرون الشغب، ويتعرضون بالسخرية، ويواجهون بالأذى كلَّ مَن ورد سُوقَهم مِن المسلمين حتى النساء لم تَسْلم مِن أذاهم!   وعندما تفاقم أمرُهم، واشتدَّ بَغْيُهم، جَمَعَهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فوعَظَهم ودعاهم إلى الرشد والهدي، وحـذَّرهم مغـبَّة البغْـي والـعُدوان، ولكنهم ازدادوا في عُدوانهم‏، ولم يلتفتوا لشيء مِن ذلك...   روي أبو داود وغيره، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال‏:‏ لمَّا أصاب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قريشًا يوم بدر، وقدِم المدينة جمَع اليهودَ في سُوق بني قينقاع‏.‏ فقال‏:‏ (‏‏(‏يا معشر يهود، أسلِموا قبْل أن يُصيبكم مثل ما أصاب قريشًا‏))‏‏.‏   قالوا‏: ‏يا محمد، لا يغُرنَّك مِن نفسِك أنك قتلتَ نفرًا مِن قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفتَ أنَّا نحن الناس، وأنك لم تلقَ مثلنا!   فأنزل الله تعالى‏: فيهم آيتين يُخاطب بهما رسولَه صلى الله عليه وسلم قائلًا له: أخبِرهم أنهم سيُغلبون ويُقتلون ثم يُحشرون إلى النار، وقد كان لهم دلالة وعبرة في لقاء المسلمين على قِلَّة عَددهم بكفار قريش على كثرتهم وقوتهم، ولكن الله يجعل الغلَبة لِمَن يشاء، ويُؤيِّد بنصره مَن يشاء.   فما الآيتان اللتان نزلتا في ذلك وفي أي جزء من القرآن؟ أَدَعُ الجوابَ للقرَّاء رغبة في تفعيل مشاركتهم في هذا المقال. "
شارك المقالة:
142 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook