تيسير الخروج من رحم الدنيا

الكاتب: المدير -
تيسير الخروج من رحم الدنيا
"تيسير الخروج من رحم الدنيا
مقدمة




من المسلَّم به أنه قل من يرغب بالحديث أو السماع عن الأمور المحيطة بالانتقال من دارنا إلى حيث الإقامة الدائمة، ناهيك أن يقرأ أو يكتب عنها؛ لذلك يَشيع الفهم الخاطئ للخلود وما بعد الموت، والذعر من الموت، كما يؤدي نقص اليقين بلقاء الله تعالى إلى قسوة في قلوبنا تصبُغُ تصرفاتنا وأعمالنا.

 

ذات يوم قال أحدهم بثقة وحزم عندما انتشر الهرج قريبًا من مسكنه: أنا لا أريد أن أموت، قالها لمن حوله بينما يتناقشون في ضرورة الثبات، وإغاثة الملهوف، ورد المظالم، وقوله جعلني أبتسم، وقلت لنفسي: ومن قال لك أن تموت؟ ومن يملِك المقدرة على الموت ما لم يُقَدِّر له البارئ المصور ذلك؟! ثم إنني تناولت تلك الحقائق التي يهربون منها من زوايا متعددة، فوجدت فيها إضاءاتٍ وألوانًا مبهجة وسط قتامة الواقع الأرضي، وعلاجًا لأدوائنا وعوارضنا النفسية المحدثة بالضغوط التي تثقل على روح الإنسان وصحته النفسية!

 

وبحمد الله تجمَّعت الأحرفُ والكلمات أفكارًا تلألأت بنور آياتٍ قرآنية وأحاديث نبوية، لتنتظم في هذا المقال الموجز (عن شؤون يستغرق بحثها أكثر من كتاب):

أولًا: المقدمات قبل الانتقال:

وأتناول لمحات عن تحضيرات وتهيئة رفيقة، وصولاً للأجل المضروب، وأهمها:

• اليقين / تيسير الخروج وعدم خوف الموت / اللقاء للأجل المضروب.

 

اليقين بذوق الموت وما بعده:

أ- لأهمية ذلك اليقين وجدت نفسي أدخله في معظم كتاباتي[1]؛ ذلك أن اليقين بالأجل واللقاء مع الديان، هو الضمانة من الزلل في الدنيا والآخرة؛ حيث الأول يمكن تقويمه، أما الثاني فلا! وهو يجعلك تعيش حياة متوازنة متناسبة مع الفطرة السليمة، تنفِرُ من الحرام وتفعل الحلال بيُسرٍ، رغم كل محاولات تصعيبه من حولنا! من ذلك:

• اليقين باليوم الآخر يجعلنا مع مَن هم خيرٌ مرَدًّا: في مريم: ? قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا ? [مريم: 75].

 

آية عجبتُ لها، كأنها تقول لي ولك: انظر نفسك، تفقد خلاياك وأنفاسك، ونبضات قلبك! فاستعِدْ ما كان منها في الضلالة قبل الفوت، قبل أن تجد نفسك محشورًا مع الذين: ? سَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا ? [مريم: 75]، ومن الآن لنحسبها مدعومين بذلك اليقين، المفاضلة هي بين أن نكون ? شَرٌّ مَكَانًا ? [مريم: 75]، أو أن نكون ? خَيْرٌ مَرَدًّا ? [مريم: 76] مع الذين اهتدوا؛ فزادهم الله هدى!

 

• وذلك اليقين يعالج فينا الغفلة[2]، لا سيما غفلة من يقرُّون بوجود الله تعالى، يدعونه في الضراء، ويلحُّون في الطلب، ومنهم الذين يُصلون ويصومون، ثم إنهم يقفون عند اللقاء الأخير مع الله تعالى لا تَشِي أعمالُهم - لغفلتهم - أنهم يؤمنون بذاك اليوم! فباليقين بالموت وما بعده: تطرد الغفلة، وما تجرُّ عليك من بلاء ظاهر (ارتكاب المحرمات)، أو خَفِي (كأن تحوم حول الحمى، حيث تتربص بك آفات النفس، وما تسول به)، ولنحاول أن نتذكر أن نتواضع لهذه الحقيقة: ألا نغفل.




• واليقين بالموت والآخرة يعالج الكِبْر والغرور، إن أيقنت بالبعث والحساب بعد الموت، انتبِهْ ولا تتكبر؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كبرٍ))؛ صحيح مسلم.

 

مثقال ذرة! وعلى ضآلته يحرمنا الجنة؟! نبأ راعب، راقِبْ نفسك وتواضع! ولنطامن من غرورنا، ولو بالعلم، فبدعة العصر: الغرور بالعلم! وشفاؤه اليقين بالموت؛ إذ يقهر تلك الرؤوس المتعالية.

 

• واليقين يعالج فينا الطمع والحسد، والتقاطع والتدابر[3].

 

• وبداهة، إن ذلك اليقين باليوم الآخر يفتح لك أبواب المغفرة؛ إذ تستبق الموت الذي تستيقنه بتعجيل التوبة، وفك الرهن عن نفسك، لنتذكر أن: ? كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ ? [المدثر: 38، 39]، ولنفك نفوسنا المرتهنة بما كسبت أيدينا، فلا زال في الوقت متسع! والمستثنى كيِّسٌ فطِن؛ إذ يفك نفسه من الارتهان السيئ لمكتسبات وهمية قبل الوصول إلى هناك، ثم إن الفَكاك أبسطُ مما نتخيل - سبحان الله وبحمده - كيفية فك الرهن هي من أسئلة الامتحان التي بين أيدينا اليوم، والإجابات نجدها في اعترافات المسلوكين في سقر: ? قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ? [المدثر: 43 - 47]، إجابة تلخص ببساطة ونصاعة الفطرة السليمة ما علينا فعله؛ لئلا نقع فيما وقعوا فيه، من بغيٍ وخوضٍ في الباطل، ومن التخلي عن المبادئ والأفعال الخيرة، ونتجنب ظلمهم لأنفسهم حين حرموها من الصلاة والكينونة مع المصلين، وحرموها من نعمة إطعام المسكين، وأشد ما ظلموها حين كذبوا بيوم الدين، فجاءهم اليقين بذلك اليوم، ولكن عند الموت! وهذا ينقلنا إلى الفقرة التالية.

 

ب- مقابل اليقين هنالك التكذيب:

ولنا فيمن سبقونا عبرة، فلقد طلب تعالى من بني إسرائيل بعد كل البراهين والنعم المادية والروحية (من هدى ورحمة) أن يؤمنوا بلقائه؛ إذ قال عز وجل: ? ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ? [الأنعام: 154]، سبحان الله! فلما نكَصوا أنزل عليهم غضبه، ولُعِنوا، وطُرِدوا من رحمته، وما ترانا نحن، والأمة وأكثرنا ناكصون متشبثون، إلا على خطر عظيم؛ قال تعالى: ? وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? [الأعراف: 147].

 

وأكبر بلاء نلاقيه اليوم خروج المكذبين بيوم الدين من بيننا، يتظاهرون بتصديقه (نفاقًا)، ويعتنقون فكرًا، ويعملون عملاً يدل على تكذيبه، نسألك ربنا العفو والعافية، بل أكثرهم يسعى لنشر فكره المنكر ذاك عن اليوم الآخر! ولتقصيرنا أو نقص يقيننا قد ينجحون! اللهم غفرانك.

 

وبالمجمل: في آخر الزمان الذي نشعر باقترابه، فإن الإيمان اليقيني باليوم الآخر يهب راحة وسعادة حقيقية في الدنيا، وأمنًا من الفزع في الآخرة؛ قال تعالى: ? مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ? [النمل: 89، 90].

 

ومن جميل ما قرأت عن اليقين باليوم الآخر: قول صاحب الظلال: اليقين بلقاء الله، واليقين بالرجعة إليه وحده في كل الأمور: هو مناط الصبر والاحتمال، وهو مناط التقوى والحساسية، كما أنه مناط الوزن الصحيح للقيم: قيم الدنيا وقيم الآخرة، ومتى استقام الميزانُ في هذه القِيم بدَت الدنيا كلها ثمنًا قليلًا، وعرَضًا هزيلًا، وبدت الآخرة على حقيقتها التي لا يترددُ عاقلٌ في اختيارها وإيثارها.

 

ج- ومع اليقين حماسٌ في العمل:

في طاعة الله ورسوله؛ عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن قامت الساعةُ وبيد أحدكم فَسِيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها، فليفعل))، صححه الألباني[4]، وتأمل قوله تعالى: ? وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ? [البقرة: 25].

فاجعل نفسك ضمن دائرة البشارة، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

 

تسهيل الخروج من رحم الدنيا: ومع اليقين: تحفنا تسهيلاتٌ من رب رحيم:

• من التسهيلات: الابتلاءات لأجل:

إن الله تعالى يبتلينا في الحياة الدنيا بأمور؛ لتسهيل الخروج من رحم الدنيا إلى القبر، أول منازل الآخرة، وعادة هذا الخروج يحمل معه معضلات، ولكن لها حلول بحمد المولى، وكأنه عندما تنتهي ابتلاءات المؤمن يكون قد حان وقت الأجل، والحمد لله أنها صغيرة بسيطة محتملة.

 

تصغر الابتلاءات: مع الصبر، مع الاستغفار، مع الاسترحام، مع الشكر، وبين الأمل والرجاء.

 

• ومن التسهيلات: حب الله تعالى (بالعمل وليس مجرد القول)؛ فالموت حق، والإنسان يكرهه، كما قالت أمنا عائشة، والحل أن يحبَّ أحدُنا لقاء الله، مبتغيًا رضاه، وقد عمل للمبشرات، فيحب الله لقاءه، وهو ما علمها إياه الحبيب صلى الله عليه وسلم، والحديث بتمامه عنها رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه))، فقلت: يا نبي الله، أكراهية الموت! فكلنا نكره الموت، قال: ((ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بُشِّر برحمة الله ورضوانه وجنته، أحب لقاء الله؛ فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بُشِّر بعذاب الله وسخَطه، كره لقاء الله؛ فكره الله لقاءه))؛ متفق عليه، وهو ما استحضره الصحابة في وجدانهم وواقعهم؛ قال أبو هريرة رضي الله عنه يوصي أهله: إذا متُّ فلا تضربوا عليَّ فسطاطًا، ولا تتبعوني بنار، وأسرعوا بي إلى ربي؛ رواه أحمد.

 

وللموت سكرات، وللقبر كربة، والحل أن نسعى في الدنيا لجعله روضةً مِن رياض الجنة برحمة ربي!

 

والحشر فيه ما فيه من مشقة وهول! والحل إذ ذاك الاستعاذة بالله تعالى مِن هولِ المطلع، اللهم رحماك، أعِذْنا، واجعله شفيعنا صلى الله عليه وسلم!

 

• وأحد التسهيلات العجيبة للخروج من رحم الدنيا: اهتراء الوعاء الذي يحمل الروح، عندما يتهالك الإناء البشري، يرحم الله الروح بأن يطلقها من إساره، نحن نرمِّم نداوي ونتداوى حتى نحسن عبادة الله تعالى بهذا الجسم حتى الرمق الأخير، ولكن عندما يأتينا اليقين تغادر الروح الخلايا والنسج، سواء الشابة منها أو المتهالكة، فرحة بالأوبة إلى مولاها؛ لذلك تجد المريض أحيانًا يتمنى الموت، ومَن حوله يدعون له بالخلاص، ولكن بالتوازي الدقيق العجيب مع زرع الفسيلة، في التطبيب وغير التطبيب، سبحان الله!

 

اللهم ارحم كل روح غادرت، وارحمنا نحن اللاحقين، واجعله حسن الختام، الحمد لله!

 

خوف الموت رغم صعوبة حدوثه: من الأخطاء الشائعة عن الموت أن الناس تظن أن البقاء على قيد الحياة صعب، وينسون أن حلولَ الموت صعبٌ بنفس الدرجة.

 

• ومرة أخرى يبرز ذلك التوازن الدقيق بين تيسير الخروج من رحم الدنيا وذوق الموت، وبين صعوبة حصول الموت، سبحانه وتعالى يذكرنا بذلك بكلمات قوية قاطعة في آية جامعة؛ قال تعالى: ? وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ? [آل عمران: 145]، لن يموت أحدٌ إلا بإذن الله، شاء من شاء، وأبى من أبى، ? كِتَابًا مُؤَجَّلًا ? [آل عمران: 145]، رحم الله أجدادنا: أنفاس معدودة بأماكن محدودة، ورحِم الله أمواتنا، وجمعنا تحت ظله.

 

المهم أن نحسن إعداد العُدَّة؛ لأنه لا مرَدَّ!

 

الآجال المضروبة والفرار باتجاه الآخرة: في هَدْأة مع سورة الجمعة، رأيتهم - بوضوح - يفرُّون من الموت، يجرون يلهثون لا يلتفتون وربهم يذكرهم: ? فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ? [الجمعة: 8].

 

• حقًّا؟!

• نعم، انظر: يجدون الموت قاعدًا ينتظرهم في نهاية طريق الفرار مهما طال وتعرج، بل في نقطة منه تسمى الأجل، سلفًا إحداثياتها محددة بدقة!

 

ويتم..

 

لا تغفُل!

 

والأجل المضروب: للأفراد وللأمم هو منطقة مشتركة بين أولًا وثانيًا؛ فهو من مقدمات الموت، وهو من عناصره ومكوناته، فنتناوله مع البند الثاني.

 

ثانيًا: الموت وبعد الموت:

• الأجل المضروب، وحلول الموت:

للأفراد لكل نفس أجل: في صلاة العشاء قرأ إمام الحرم: ? وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ? [المنافقون: 11]، أبدًا، رأيتها بعيني أكثر من مرة وننسى! سبحانك ربي!

 

والغريب أنه لا أحد يعرف كم هو قريب الموت!

 

ومرة قالت النفس لصاحبها: قف خذ نفسًا عميقًا، احبسه، تذكر الموت وكأنك في القبر، ثم عاوِدِ التنفس.

 

ومرة ثانية أخبرته: تذكر أنه ينتظرك في مكان ما، وعندما يحل الأجل، يرفع الحفظة أيديهم عنك، فلا حفظ، وتتوفاك الرسل الملائكة؛ فلا تفريط؛ قال تعالى: ? وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ? [الأنعام: 61].

 

بلى، تأمل كيف أنها الحقيقة الوحيدة في حياة كل منا، التي نلتقي عليها حتمًا، مهما تباعدنا أو اختلفنا، تلك هي الدامغة، أنه سبحانه: ? هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ? [الأنعام: 61] عز وجل.

 

• للأمم: من يخاف ومن لا يخاف، ثم إن الأمم تلتقي على حقيقة مشابهة؛ فللأمم آجال مضروبة، كما هو للأفراد، سبحان الله! قال تعالى: ? وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ? [الأعراف: 34]، ومن لا يخاف ولا يحزن من بني آدم لحظتها هو الذي اتقى وأصلح، (مستنيرًا بالرسل والكتب المنزلة والآيات)؛ قال تعالى بعد القانون السابق: ? يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ? [الأعراف: 35]، فالله تعالى - برحمته - لم يتركنا هملًا، وفينا النبيه اللبيب، وفينا الأقل لبًّا! وبعد ذلك بعد الموت: لا حجة لمحتج هناك؛ قال تعالى: ? وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ? [الأعراف: 36]، ولات حين مناص!

 

• والآجال الأممية مخيفة، لا سيما وأنها غالبًا ما تصيب الأمم المترفة المستكبرة عن الحق، والظالمة، وهي راعبة؛ لأنها تكون أخذة بغتة لهؤلاء وأضرابهم بعد الإملاء؛ قال تعالى: ? فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ? [الأنعام: 44]: هي الخسف والقذف والمسخ، وهي الكوارث والتقطيع والتشريد؛ فأخذ الأمم - في المجمل - أخذٌ أليم شديد، ? وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ? [هود: 102] وأمثال ذلك!




أقوام يدخلون الآخرة بالصيحة: تاريخيًّا من الكوارث التي نالت أممًا قبلنا الهلاك بالصيحة، وهي تشبه ما يسمى طبيًّا: الصدمة الصوتية، فعلميًّا عندما تفُوق شدة الضجيج قدرة الأذن على الالتقاط والتوصيل (كالحوادث الانفجارية، والألعاب النارية للقريبين منها، واحتفالات رأس السنة في الدول الغربية)، فأنت لا تسمع، بل يتملكك شعور غريب مكان حاسة السمع، وآلام شديدة مع طنين قوي، وتلك هي الصدمة الصوتية، وفيما يتعلق بشركائنا على الكوكب، فعندما وضعت بعض الحيوانات تحت تأثير صوت مرتفع بلغت شدته 170 ديسيبل[5]، ماتت بعد عشر دقائق، وعندما وضعت تحت تأثير صوت شدته 130 ديسيبل ماتت بعد أربع ساعات فقط، ويقاس هذا على الإنسان الذي يمكن للأصوات الأشد أن تؤذي أنسجته بشدة، والشديد جدًّا منها يكون قاتلاً؛ قال تعالى: ? وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ? [هود: 67]، سبحانك ربي غفرانك!

 

ربنا، ارحمنا، فلا نكون أهل قرية ظالمين، ولا يكثر فينا من بطِروا معيشتهم لدرجة أن يطبق علينا الهلاك بعامة، والدمار وما هو أعظم! ولا ننضم إلى تلك الـ: كم الراعبة في سورة القصص؛ قال تعالى: ? وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ? [القصص: 58، 59].

 

• بالمقابل لا ننسى القرى الناجية لأن أهلها مصلحون؛ قال الله تعالى: ? وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ? [هود: 117]، اللهم ارحمنا برحمتكَ مصلحي الأمة على قلتهم اليوم، وقال عز من قائل: ? وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ? [الأعراف: 156]، فالحمد لله الذي جعل رحمتَه تسَعُنا، ولو لم تكن - لا قدر الله - لهلكنا!

 

• الموت والقبر: الرجع البعيد، والجراد المنتشر:

طوال حياته الإنسان يأكل من الأرض، ثم بعد موته تأكل منه.

 

ونرى الأشياء بعيوننا القاصرة، ولكن الحقيقة شيء آخر؛ فالأرض عندما تأكل الميت تحفظه، لتردنا يوم البعث، وهذه الآيات تبيِّنُ قصورنا البشري، من خلال تعجب المترددين الشاكين؛ قال تعالى: ? أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ? [ق: 3، 4] بلى سبحانك ربي[6].

أما كيف تردنا، فانظر الجراد المنتشر، منظر عجيب، تأمله حتى تتخيل كيف نخرج من القبور؛ قال تعالى: ? خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ? [القمر: 7]، ما أضأَلَنا أمام عظمة البارئ!

 

غفرانك وإليك المصير، ذكرى لنقدم لأنفسنا، ونحفظها عن المحرمات أجسامنا تلك!




البعث والحشر: صور من يوم القيامة:

كيف يكلمنا ربنا؟! ها نحن بين يدي الرحمن، رباه، كيف يكون الحال يوم الجمع، يوم التلاق، يوم توفية النفوس ما كسبت؟! قد يصيبك ذهول، ويدعوك لتحسب الحسابات، وتقدم لنفسك كسبًا كريما تستوفيه هناك، واسمع قول البارئ يتردد في الأرجاء: ? فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ? [آل عمران: 25]، كيف؟ كيف؟ كيف؟! بالله عليكم، كيف؟!

 

وعندما سأل أحدهم ابن عباس رضي الله عنهما: كيف يكلم الله الناس كلهم يوم القيامة في ساعة واحدة؟ قال: كما يرزقهم كلَّهم في الدنيا في ساعة واحدة!

 

أنت، مع من؟، يأتي يومها الناس مع أنبيائهم، مجموعة مع هذا النبي، ومجموعة مع ذاك، ثم مجموعة مع فرعون، أخرى مع طاغوت، مجموعة مع القصور والبنوك، أخرى مع أساطيل اليخوت والسيارات، ثالثة مع المجوهرات والكنوز، تقودهم في الآخرة كما كانت تقودهم في الدنيا، لينظر أحدنا لمن يُسلِمُ قيادَه!

 

بلى، فمقابل الذين تابوا مع الرسول المصطفى واتبعوه، هنالك الذين يتبعون ما أُترِفوا فيه؛ قال تعالى: ? وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ? [هود: 116، 117]!

 

وكل ما أترفوا فيه مثل غمسة إصبع أحدنا في اليم، فلينظر بم يرجع! وكل يولِّيه الله ما تولى؛ قال تعالى: ? وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ? [النساء: 115].

 

وهناك أنت تتصدع:

معروفٌ أن الأرض تتصدع، ولكن الإنسان يتصدع؟ ذلك المتعاظم بقوته وعِلمه وحضارته!

 

نعم، والبشر كلهم يتصدعون! وتأمل التصدع البشري في آية عجيبة؛ قال تعالى: ? فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ? [الروم: 43].

 

وهذا التصدع العجيب دليلُ قوة عظيمة تؤدي لتصدع ما يبدو متينًا ثابتًا ثبات ومتانة الأرض، بل وأكثر، وهو النفس البشرية التي طوَّعتِ الصخر والبحر والجبل، ودانت لها الأرض.

 

التصدع الحقيقي لابن آدم هناك يبين حقيقته وضعفه!

 

تصدع يكشف كل مخبوء، وتصدع يفرق البشرية لأهل الجنة وأهل النار، حيث: ? مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ?[الروم: 44]، رحماك ربي، غفرانك ولك الحمد.

 

• ثم إنك تخضع لشهادتها؛ سمعك وبصرك وجلدك، وعجيبة هي حكاية نطقها.

 

وأكثر ما ننساه ونهمله خلايا الجلد، تخيَّل خلايا الجلد تنطق، ومن الآن حاول أن ترضيها بما يرضي الله؛ فهي لا تبدِّل ولا تغير، وكلما زِدت زادت بيانًا وتفصيلاً عنك يوم القيامة؛ قال تعالى: ? حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? [فصلت: 20]، آية إذا قرأتها وجدتني أنظر إلى هذه الأنسجة والأجهزة المعجزة، البديعة التكوين، وأسألها: ماذا ستقولين عني غدًا؟! فتجيبني ببساطة: (بلسان لا يقطع لا مجازًا ولا حقيقة): أنا ألصق الكائنات بك، وبكل صغيرة وكبيرة منك سأشهد، رحماك ربي، وننسى..

 

• ثم إنك تتزحزح، وتلك هي الزحزحة عن النار، الغفلة تلصقك بالقاع لاطئًا، والزحزحة تسعى معك وبك لرفعك إلى الجنة، فانظر أين تريد أن تكون! قال تعالى: ? فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ? [آل عمران: 185]، إلهي عفوك ورضاك وهداك، وهي تتحقق لكم ? بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ? [الحاقة: 24].

 

ذلك أنك وأنت في الآخرة تستكمل فك الرهن عن نفسك؛ لتحقق النجاة من سقَرَ أمام ميزان الحسنات والسيئات، وقد رأينا أعلاه تفاصيل ذلك الفَكاك والتقديم له في الدنيا (في ثمرات اليقين بالموت وما بعده)، وحين تصل تجد اسمك مع الناجين الفائزين تحت تصنيف أصحاب اليمين، (من المجموعة المستثناة بـ: إلا)، الذين هم ? فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ?؟ [المدثر: 40 - 42]، وتسمعهم: ? قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ? [المدثر: 43 - 47]، بينما أنت مع المتقين بإذن الله: ? فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ? [القمر: 55]، الحمد لله آية تغمرني بالطمأنينة والأمان!

 

وأنت بعد ذلك تستغفر: أستغفر وأنا من أصحاب اليمين؟ نعم تفعل، وبمنتهى التواضع لخالقك، وأنت ترفل في النور تقول مع الداخلين للجنة بإذن الله تعالى: ? رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ? [التحريم: 8].

 

وما أجمل العيش مع القرآن! فهذه الآية الكريمة[7] استوقفتني، أدهشتني، دخلوا الجنة ونورهم يسعى بين أيديهم وبأَيْمانهم، ومع كل هذا الشرف والنور والمجد وهم في كل هذا النعيم الخالد يسألون الله المغفرة! فكيف بنا وأحدنا وهو في مخاضة الذنوب يستكبر عن الاستغفار؟! رباه، ما أغبى المتكبرَ عن طاعتك، والغافلَ عن ذكرك! غفرانك.

 

• وأخيرًا، أنت تحمد الله تعالى، مع أهل الجنة على كل شيء[8]:

• نحن نحمد الله تعالى على ذهاب الحزَن؛ قال تعالى: ? وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ? [فاطر: 34].

 

• ونحمد الله تعالى على أن أورثنا الجنة: ? وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ? [الزمر: 74].

 

• ونحمد الله وحده سبحانه على عدله وفضله، مع نهاية الدنيا وبَدْءِ الخلود في الآخرة، بعد إدخال زُمَر الكافرين النارَ، وزُمَر المؤمنين الجنة، وعليه تختم قصة الخلق كلهم في قوله سبحانه: ? وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? [الزمر: 75].

 

وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين!




[1] والواقع يلاحظ اشتراك كل من: اليقين باليوم الآخر، والتقوى في معظم شؤوننا وشجوننا التي تستحق البحث.

[2] وانظر للمزيد: فهمنا الخاطئ للغفلة؛ الألوكة.

[3] مقال: كنوز في صعيد جرز؛ الألوكة.

[4] والحديث رواه الإمام أحمد وغيره، وقال عنه الهيثمي: ورجاله ثقات وأثبات، وقال عنه الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، ومعناه: أن المسلم يستمر في عمل الخير، ومنه الغرس، ولو كان قبل القيامة بلحظات؛ فإنه مأجور على ذلك.

[5] ديسيبل هو وحدة شدة الصوت، والبعض يسميها وحدات الضجيج، ومقدار الصوت البشري العادي [30 - 60]، ولكن صوت بكاء الأطفال يبلغ (80 - 85 ديسيبل)، ويبدأ الانزعاج البشري عند الشدة (70).

[6] استثناء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عزَّ وجلَّ حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء))، صحيح، ومطلعه: ((مِن أفضل أيامكم يومُ الجمعة)).

[7] وتمامها قوله سبحانه: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [التحريم: 8].

[8] وانظر: يوم الحمد (يوم من أيامنا): http://www.alukah.net/sharia/0/77388


"
شارك المقالة:
155 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook