يُعرّف النبي لغةً على أنه إنسان يصطفيه الله من خلقه ليوحي إليه بدين أو شريعة سواء كُلّف بالإبلاغ أم لا،وأما الرسول فيُعرف بالمرسل الذي يبلّغ عن الله سبحانه،ويكْمُن الفرق بين الأنبياء والرسل -عليهم السلام- بأن الرسول من أوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه لقومٍ لا يعلمونه، أما النبي فهو من أوحي إليه بشرع سابق ليُذكّر قومه بذلك الشرع ويُجدّده، ولذلك يُمكن القول أن كل رسول نبي، والعكس غير صحيح، ومن الجدير بالذكر أن الإيمان بالأنبياء والرسل يقتضي التصديق الجازم بأن الله -تعالى- بعث في كل أمة رسول يدعوهم إلى توحيد العبادة لله تعالى، واجتناب الشرك، وأنهم جميعاً -عليهم السلام- بلّغوا ما أُمروا به، وقد أعلمنا الله -تعالى- بأسماء بعضهم، واستأثر بأسماء الآخرين في علم الغيب عنده.
ذكر الله -تعالى- في القرآن الكريم خمسة وعشرين نبياً ورسولاً، ورد ذكر ثمانية عشر منهم في قول الله تعالى: (وَتِلكَ حُجَّتُنا آتَيناها إِبراهيمَ عَلى قَومِهِ نَرفَعُ دَرَجاتٍ مَن نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكيمٌ عَليمٌ*وَوَهَبنا لَهُ إِسحاقَ وَيَعقوبَ كُلًّا هَدَينا وَنوحًا هَدَينا مِن قَبلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ داوودَ وَسُلَيمانَ وَأَيّوبَ وَيوسُفَ وَموسى وَهارونَ وَكَذلِكَ نَجزِي المُحسِنينَ* وَزَكَرِيّا وَيَحيى وَعيسى وَإِلياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحينَ* وَإِسماعيلَ وَاليَسَعَ وَيونُسَ وَلوطًا وَكُلًّا فَضَّلنا عَلَى العالَمينَ)، وورد ذكر البقية في مواضع مختلفة من القرآن الكريم، وفيما يأتي ذكر الأنبياء والرسل بالترتيب.
ذكر أهل العلم أن أوّل الأنبياء والرسل كان آدم عليه السلام، مصداقاً لما رُوي عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أنه قال: (أنَّ رجلًا قال: يا رسولَ اللهِ أنبيًّا كان آدمُ؟ قال: نعم مُكلَّمٌ، قال: كم كان بينه وبين نوحٍ؟ قال: عشرةُ قرونٍ).
بيّن العلماء أن النبي الذي جاء بعد آدم -عليه السلام- ابنه شيث، قال ابن كثير رحمه الله: "فلما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام".
إدريس عليه السلام اختلف العلماء في النبي الذي جاء بعد شيث بن آدم عليه السلام، حيث قال بعضهم ومنهم ابن كثير -رحمه الله- أنه إدريس عليه السلام، بينما قال بعضهم الآخر أنه نوح عليه السلام.
ورد ذكر نوح -عليه السلام- في العديد من سور القرآن الكريم، منها سورة هود، والعنكبوت، والصافات، والأعراف، والأنبياء، والقمر وكانت قصته مثالاً يُقتدى به بالدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، والصبر والثبات، وخلاصة قصته أن الله -تعالى- بعثه إلى قوم يعبدون الأصنام، فدعاهم نوح -عليه السلام- إلى توحيد الله ونبذ عبادة تلك الأصنام، واستخدم في دعوتهم الترغيب والترهيب، وغيرها من الطرق والوسائل، وبيّن لهم أنه لا يبتغي من وراء دعوته مالاً، بل يبتغي الأجر من الله تعالى، ولكنهم رفضوا دعوته ووصفوه بالضلال، وأصروا على كفرهم وشركهم، ومكث نوح -عليه السلام- ما يقارب الألف عام يدعوهم إلى الله -تعالى- وهم مستكبرون، فأغرقهم الله -تعالى- ليكونوا عبرةً لمن خلفهم.
كانت بعثة هود -عليه السلام- بعد نوح عليه السلام، فقد ورد في القرآن الكريم ما يدل على أن قوم عاد عاشوا في الفترة الزمنية التي بعد قوم نوح عليه السلام، مصداقاً لقول الله -تعالى- عن قوم هود: (وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ قَومِ نوحٍ).
ذكر الله -تعالى- في القرآن الكريم ما يدل على أن قوم صالح -عليه السلام- وهم قوم ثمود كانوا خلفاً لقوم هود عليه السلام، مصداقاً لقول الله -تعالى- عن قوم صالح: (وَاذكُروا إِذ جَعَلَكُم خُلَفاءَ مِن بَعدِ عادٍ).
بُعث إبراهيم -عليه السلام- بعد صالح، فقد قال الله تعالى: (أَلَم يَأتِهِم نَبَأُ الَّذينَ مِن قَبلِهِم قَومِ نوحٍ وَعادٍ وَثَمودَ وَقَومِ إِبراهيمَ وَأَصحابِ مَديَنَ وَالمُؤتَفِكاتِ أَتَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّـهُ لِيَظلِمَهُم وَلـكِن كانوا أَنفُسَهُم يَظلِمونَ)، ومن الجدير بالذكر أن الله -تعالى- أرسل إبرهيم -عليه السلام- إلى قوم يُسمّون بالصابئة، وهم الذين يعبدون النجوم، والقمر، والشمس، فدعاهم إلى توحيد الله -تعالى- وترك ما يعبدون من دونه، واستخدم كافة الوسائل في دعوته، وبعد أن أقام عليهم الحجة والبرهان لجأوا إلى القوة المفرطة، حيث أشعلوا ناراً عظيمة وألقوه فيها، فما كان من إبراهيم -عليه السلام- إلا أن قال حسبي الله ونعم الوكيل، فنجّاه الله -تعالى- من النار من غير مكروه.
بُعث لوط -عليه السلام- في عصر إبراهيم -عليه السلام- وعاصره، مصداقاً لقول الله تعالى: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ*وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).
بدأت دعوة شعيب -عليه السلام- بعد لوط بفترة قصيرة من الزمن، ومن الأدلة التي جاءت في القرآن على ذلك قول الله تعالى: (وَما قَومُ لوطٍ مِنكُم بِبَعيدٍ)،ويرى بعض العلماء أنّ نسبه يرجع إلى الكلدانيين.
هو ابن سيدنا إبراهيم -عليه السلام- من زوجته السيدة هاجر، وقد شارك -عليه السلام- ببناء الكعبة المشرفة، فكان ينقل الحجر لأبيه إبراهيم عليه السلام، وقد عُدّ النبي إسماعيل أبا العرب، وقد كان مُلبّياً لأمر الله -تعالى- بالدعاء لدينه، فكان يدعو أهل اليمن، والعماليق، والجراهمة بإخلاص وصدق، وكان -عليه السلام- حليماً صابراً.
هو ابن سيدنا إبراهيم من زوجته سارة، وكانت الملائكة قد بشّرت السيدة سارة بولد غلامٍ عليمٍ وهي طاعنة في السن، وقد جاء بيان ذلك في قول الله -تعالى- في محكم كتابه الكريم في سورة هود: (وَامرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَت فَبَشَّرناها بِإِسحاقَ وَمِن وَراءِ إِسحاقَ يَعقوبَ).
فيما يأتي بيان ترتيب ذكر بقية الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- جميعاً بترتيب وتسلل زمنيّ:
بعث الله -تعالى- النبي محمد -صلى الله عليه سلم- خاتماً للأنبياء والمُرسلين، وهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وقد بعثه الله بالرسالة وكان يبلغ من العمر أربعين عاماً، وكان مثالاً ونموذجاً يُقتدى به بالصبر، والرحمة، والكرم، والصدق، واللين، والتواضع، والعِفّة، والشجاعة، وغير ذلك من الأخلاق الحسنة.
موقع موضوع