قدرة الله عظيمة، ومظاهرها متعددة، لايحدّها حد، قال تعالى : ( قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ) [الكهف:109] وكلمات الله هي آياته العظيمة الدالة على عظيم وبديع قدرته، ومن مظاهر عظمة الله إنزال المطر، هذه النعمة العظيمة التي تستحيل كل مظاهر الحياة دونها، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) [الأنبياء: 30]، وهناك مراحل تسبق نزول المطر، وكل مرحلة فيها تعدّ آية ومعجزة بذاتها.
التبخر آية عظيمة قائمة بذاتها في دلالتها على قدرة الله، والتبخر عملية منضبطة منظمة، تسير وفق سنن وقوانين اودعها الله في الكون، فتتبخر المياه من الأرض بمختلف أنواع وأشكال انتشارها فيها، ثمّ تتكاثف، وفي ظل ظروف وقوانين معيّنة يعود تساقط الماء على الأرض، ضمن أشكال متعددة من الهطول، ووفق قوانين واضحة وسنن ثابتة قد أوجدها الله في الكون.
بعد عمليّة التبخر تبدأ عملية تكاثف بخار الماء وتجمعه ليكوِّن الغيوم الصغيرة التي تتجمع وتتحد لتشكِّل الغيوم الكبيرة، وهذه العمليّة بذاتها هي آية عظيمة ناطقة بقدرة الله سبحانه في الكون، فلولا الله وإرادته ومشيئته المطلقة لما حدث كلُّ هذا، فالتبخر والتكاثف من أهم العناصر الممهدة لتساقط الأمطار وسائر أشكال الهطول.
يتمّ الهطول بأشكاله المتعددة، برداً، ومطراً، وثلجاً ضمن ظروف وأسباب يهيئها الله سبحانه بسننه وقوانينه بربط الأسباب بالمسببات، فقدرة الله تسير الأسباب، وتسير دونها أحياناً، فتجد أحياناً عوامل الهطول قائمة من حركة الرياح، ونسبة الرطوبة، والمنخفضات الجويَّة، ومع ذلك تحول المشيئة الإلهيَّة دون حدوث ذلك، وفي المقابل، تتكوَّن عوامل الهطول بشكلٍ مفاجئ، فتتحرك الغيوم، ويحدث الهطول، وكلُّ ذلك يتفق مع قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) [يس:82] فمتى أراد الله لشيءٍ أن يكون كان ووجد وحدث هذا الشيء دون تعبٍ منه أو مشقَّة، فأمر الله كما قالوا بين الكاف والنون، وقال تعالى في ذات السياق:( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ، وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ) [الرعد: 12-13]
حاجة الكون وما فيه من كائنات ومخلوقات للماء قائمة، فلا غنى عن الماء بحال، والله بقدرته يحرّك الرياح، فيتحرك بها ومعها السحاب، فيكون الهطول حيث شاءت إرادة الله سبحانه، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلَى الأَرْضِ الجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ)[السجدة: 27] فتنبت الأشجار، والزر وع، والحدائق، ويعمُّ الخير بنزول المطر قال تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل:60] وقال أيضاً:(وَأَنْزَلْنَا مِنَ المُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا، لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا، وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) [النَّبأ: 14 - 16].
موسوعة موضوع