كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أشرف الناس نسباً وأعظمهم مكانةً وفضلاً، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان،[١] وقد تزوّج والد النبي عبد الله من آمنة بنت وهب، ووُلد النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل، وهو العام الذي توجّه فيه أبرهة لهدم الكعبة، إلّا أنّ العرب تصدّت له، وأخبره عبد المطلّب بأنّ للبيت ربٌّ يحميه، فقدم أبرهة مع الفيلة، فأرسل عليهم الله طيوراً تحمل حجارةً من نارٍ أهلكتهم، وبذلك حمى الله البيت من أي أذى،[٢] وقد توفي والده وهو حملٌ في بطن أمه على الصحيح من أقوال العلماء، فوُلد الرسول يتيماً، قال -تعالى-: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)
رضع محمدٌ -عليه الصلاة والسلام- من حليمة السعدية بعد أن قدمت إلى قريش تلتمس أيٍ من الرضعاء، وكان لها ابناً رضيعاً لا تجد ما يسدّ جوعه، ذلك بعد أن رفضت نساء بن سعد إرضاع النبي -عليه السلام- بسبب فقده لوالده؛ ظنّاً منهنّ أن لا تعود عليهنّ رضاعته بالخير والأجر، وبسبب ذلك نالت حليمة السعدية بركةً في حياتها وخيراً عظيماً لم ترَ مثله قطّ، ونشأ محمّد -عليه السلام- بخلاف غيره من الشباب من حيث القوة والشدة، وعادت به إلى أمّه بعد أن بلغ العامين من عمره واستأذنتها ببقاء محمدٍ عندها خوفاً عليه من الأمراض في مكة، وعاد معها بالفعل، وفي أحد الأيام أتاه رجلان ذوي ثيابٍ بيضاء شقّا بطنه واستخرجا علقةً سوداء منه، فكانت حادثة شقّ الصدر، وكان ذلك الأمر الفاصل في عودته إلى أمه.
توفيت والدة النبي -عليه السلام- آمنة بنت وهب وهو ابن ست سنواتٍ، وكانت عائدةً به من منطقة الأبواء؛ وهي منطقةٌ واقعةٌ بين مكة والمدينة، إذ كانت في زيارةٍ لأخواله من بني عدي من بني النجار، فانتقل بعدها للعيش في كفالة جدّه عبد المطلب حيث كان يعتني به اعتناءً شديداً؛ ظانّاً فيه الخير والشأن العظيم، ثمّ توفي جدّه والنبي في الثامنة من عمره، وانتقل بعدها للعيش في كفالة عمه أبي طالب، وكان يأخذه معه في رحلاته التجارية، وفي إحدى الرحلات أخبره إحدى الرهبان بأنّ محمداً سيكون ذو شأنٍ عظيمٍ
عمل الرسول -عليه الصلاة والسلام- في رعي أغنام أهل مكة، وفي ذلك يقول -عليه الصلاة والسلام-: (ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ، فقالَ أصْحابُهُ: وأَنْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها علَى قَرارِيطَ -جزء من الدينار والدرهم- لأهْلِ مَكَّةَ)،[وبذلك كان النبي -عليه السلام- قدوةً في كسب الرزق.
كانت خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- ذات مالٍ كثيرٍ ونسبٍ رفيعٍ، وكانت تعمل في التجارة، وحين بلغها أن محمداً رجلٌ صادقٌ في قوله أمينٌ في عمله كريمٌ في أخلاقه استأمنته على الخروج تاجراً بأموالها مع غلامٍ لها يُدعى ميسرة مقابل الأجر، فخرج -عليه الصلاة والسلام- تاجراً إلى بلاد الشام، وجلس في الطريق تحت ظلّ شجرةٍ قريبةٍ من راهبٍ، فأخبر الراهب ميسرة أنّ مَن نزل تحت تلك الشجرة لم يكن إلّا نبياً، وأخبر ميسرة خديجة بقول الراهب، ممّا كان سبباً في طلبها الزواج من الرسول، فخطبها له عمّه حمزة، وتزوّجا.
عقدت قريش العزم على تجديد بناء الكعبة؛ لحمايتها من الهدم بسبب السيول، واشترطوا بناءها من الأموال الطيبة التي لم يدخلها أي نوعٍ من الربا أو الظلم، وتجرّأ الوليد بن المغيرة على الهدم، ثم شرعوا بالبناء شيئاً فشيئاً إلى أن وصلوا إلى موضع الحجر الأسود، إذ وقع الخلاف بينهم في مَن سيضعه في موضعه، وتراضوا على قبول حكم أول داخلٍ عليهم، وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأشار عليهم بأن يضع الحجر الأسود على ثوبٍ تحمله كل قبيلةٍ من طرفٍ ليضعه في مكانه، وقبلوا بحكمه دون خلافٍ، وبذلك كان رأي الرسول -عليه الصلاة والسلام- عاملاً في عدم تنازع قبائل قريش وعدم خلافها فيما بينها
موقع موضوع