التيمم.
ميّز الله الأمة الإسلامية بِكثيرٍ من الخصائص والفضائل؛ ومنها أنّه شرع لهم التيمم بديلاً عن الوضوء في حالاتٍ مُعينةٍ، لحديث النبي: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، فأيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ)، ومن حكمة الله في الجمع بين عبادة التيمم والوضوء؛ أنّ التيمم يكون بالتراب إشارةً من الله للإنسان بأصلِ خِلقته، وبالوضوء الذي يكون بالماء إشارةً منه -سُبحانه- إلى أنّ الماء سبب وجود الحياة وبقائها، وقد ورد الأمر من الله بتشريع التيمم في السنة السادسة للهجرة، وبالتحديد في غزوة بني المُصطلق، وذلك حينما بعث النبي الصحابة للبحث عن العِقد الذي أضاعته السيدة عائشة، وعندما جاء وقت الصلاة، لم يكن مع الصحابة ماءً، فأنزل الله آية التيمم.
والتيمم في اللُغة بِمعنى قصد الشيء، فيُقال: يمَّمتُه وتَيَمَّمته؛ أي إذا قصدته، والأصل التعمّد والتوخّي، وقد ورد ذكر هذه المعاني في القُرآن، كقوله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)، أي اقصدوا الصعيد الطيب، وكَثُر استعمال العرب لهذه الكلمة حتى صار اسماً شرعياً لمسح الوجه واليدين بالتراب. أمّا في الاصطلاح الشرعي فهو: إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشروطٍ مخصوصةٍ.
كيفية التيمم:
فروض التيمم
للتيمم أركان وفرائض، وهي:
-
النية: وتكون في القلب، ويُقصد بها القيام بفعل التيمم، ويُسنّ التلفّظ بها باللسان، ويقصدُ بها المتيمم ما يُريد فعله، وقال الحنفية والحنابلة بأنّ النية شرطٌ من شروط التيمم لا ركنٌ من أركانه، كالسجود، أو الصلاة، أو غيرهما، وإزالة الحدث، أو النجاسة، فلو نوى المتيمم إزالة أحد الحدثَين أو النجاسة، فلا تُجزئ النية عن الأمرين، بل لا بدّ لكلّ عمل من نية مختلفة عن الآخر؛ لأنّ لِكُلٍّ منها سبب مُختلف عن الآخر، ولحديث النبي: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)، وقد اختلف الفُقهاء في صفة النية المفروضة عند قصد التيمُّم، وبيان خلافهم على النحو الآتي:
-
قال جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة بأنّ صفة النية التيمم تكون بقصد استباحة الصلاة، وغيرها من العبادات، كمسّ المصحف.
-
قال الحنفية إنّه يُشترَط في نية التيمم أنّ تحتوي على أمرٍ من ثلاثة أُمورٍ، وهي: النية في الطهارة من الحدث الموجود، ولا يُشترَط تعيينه، والنية في استباحة الصلاة، أو إزالة الحدث، والنية لعبادةٍ معينةٍ لا تصحّ دون طهارةٍ، كسجود التلاوة، فلو نوى المسلم التيمم من غير قصد استباحة الصلاة فلا تصحّ صلاته.
-
مسح الوجه: ويكون بإيصال التراب إلى جميع الوجه، مع مُراعاة وصول التراب الى المنطقة التي تعلو الشفتين، في حين يرى الإمام أبي حنيفة جواز الاقتصار في التيمم على أغلب الوجه.
-
مسح اليدين إلى المرفقين: مع مُراعاة إزالة ما يكون عليهما، كالخاتم، ليُمسح تحته، فلا يكفي الاقتصار بتحريكه من مكانه فقط، في حين يرى الحنابلة والمالكية أنّ الفرض في اليدين يكون بمسحهما إلى الكوعين، أمّا وصول التراب إلى المرفقين فهو سُنّةٌ، لقول النبيّ لعمار: (إنَّما كانَ يَكْفِيكَ أنْ تَصْنَعَ هَكَذَا، فَضَرَبَ بكَفِّهِ ضَرْبَةً علَى الأرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بهِما ظَهْرَ كَفِّهِ بشِمَالِهِ أوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بهِما وجْهَهُ).
-
الترتيب بين المسحتين: وقد عدّه الحنابلة والشافعية فرضاً، وهذا الترتيب يكون بين أعضاء التيمم؛ لأنّ التيمم يقوم مقام الوضوء، والترتيب فرضٌ عندهم، ويُستثنى من الترتيب إن كان التيمم من حدثٍ أكبرٍ عند الحنابلة، في حين يرى الحنفية والمالكية أنّ الترتيب سُنّةً وليس فرضاً؛ لأنّ الفرض في التيمم هو المسح، والتراب وسيلةٌ لا غايةٌ.
-
النقل: وهو نقل التراب من مكانه إلى العضو المُراد مسحه، وقد اعتبره الشافعية أوّل ركنٍ من أركان التيمم، في حين اعتبر المالكية أنّ النقل سُنّةٌ.
شروط التيمم
شروطٌ متعلقةٌ بوسيلة التيمم
الوسائل التي يستطيع المُسلم أن يتيمم بها ثلاث؛ الوسيلة الأولى وهي التراب الطاهر؛ وهذه الوسيلة جائزةٌ باتّفاق، أمّا الوسيلة الثانية غير الجائزة باتّفاق فهي: المعادن، والتراب النجس، والوسيلة الثالثة هي ما عدا الوسائل السابقة، وقد اختلف الفُقهاء في حُكمها، وبيان آرائهم على النحو الآتي:
-
الرأي الأول: قال الشافعية والحنابلة بأنّ [التيمم يكون بالتراب]، بأيّ شكلٍ منه، ولو كان محروقاً، ما دام يُسمّى تُراباً، حتى وإن كان مخلوطاً وتغيّرت أوصافه، وكُلّ ما خرج من الأرض ما دام له غبارٌ، ويُمنع عندهم التيمم بالحجر المحروق حتى وإن كان له غُبارٌ؛ لأنّ الغُبار الذي عليه ليس من جنس التراب، فلا يصحُّ أيضاً بما يُلصق من التراب بالعضو، ولا بغير التراب من أجزاء الأرض؛ لأنّ التراب يُعدّ الوسيلة الشرعية الوحيدة للتيمم، ويُشترط أن يكون طاهراً، وغير مُتنجّسٍ بنجاسةٍ حقيقيةٍ، كالبول، أو نجاسةٍ عينيّةٍ، كالتراب الذي يكون في المقابر المنبوشة، وألّا يكون هذا التراب مُستعملاً في حدثٍ أو خبثٍ، وألّا يُخالطه دقيق وإن قلّ؛ لأنّ نعومة الدقيق تمنع التراب من الوصول إلى أعضاء التيمم، فيكون التيمم عندهم فقط بالتراب الطاهر الذي له غُبارٌ، ويعلق باليد، واستدلّوا بقول الله -تعالى-: (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ) ووجه الدلالة أنّ الله أمر المُسلم بأن يُمسَح بما له غبارٌ، وقال النبيّ: (أطيبُ الصَّعيدِ حرثُ الأرضِ)، وهذا الحديث موقوفٌ على ابن عباس، وقد حسّنه عُلماء الحديث، واستدلّوا بدليلٍ من اللغة؛ وذلك بأنّ لفظ الصعيد لفظٌ مُشتركٌ بِكلّ ما هو على وجه الأرض، ولا يجوز تخصيصه إلّا بدليلٍ.
-
الرأي الثاني: قال المالكية والحنفية [بجواز التيمم بكلّ ما كان من جنس الأرض]، كالزرنيخ، والحجارة، والرمل، وذهب بعضهم إلى جواز التيمم بالرُخام؛ لأنّه من جنس الأرض، فجاز التيمم به، لحديث النبي: (جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)، ويجوز عندهم بكلّ أجزاء الأرض، حتى وإن كانت صخرةً مغسولةً، ويجوز بالثلج، واختلف المالكية في الملح، ووردت عنهم ثلاثة أقوالٍ، والمشهور في المذهب الجواز إلّا إن كان مُصنّعاً، والضابط عندهم في بيان ما هو من جنس الأرض وما هو ليس منها أنّ كلّ ما يحترق بالنار، فيصبح رماداً، كالخشب، والعُشب، ونحوهما، وكُلّ ما ينطبع ويلين، كالحديد، والذهب، ليس من جنس الأرض، وكُلّ ما عدا ذلك فهو من جنسها.
شروطٌ متعلقةٌ بكيفيّة التيمم
اشترط الفُقهاء شُروطاً عدّة تتعلّق بطريقة التيمُّم، وهي:
-
أن يقصد المُسلم التيمم بالتراب بنقله من موضعه إلى العضو، ولو كان هذا النقل من فعل إنسانٍ آخرٍ، بشرط أن يكون هذا النقل بإذنه، مع النية.
-
أن يكون التيمم بضربتَين؛ الأولى للوجه، والأُخرى لليدين، وذلك عند الشافعية، والحنفية، في حين يرى المالكية، والحنابلة أنّ الضربة الأولى فرضٌ، والضربة الثانية سُنّةٌ؛ والسبب في ذلك الاختلاف في عُموم آية التيمم، وتعارض الأحاديث الواردة في موضوع المُصرَّحة بضربتَين، واتّفقوا على وجوب إزالة أيّ حائلٍ يمنع وصول التراب إلى العضو الواجب مَسحه، كوجود خاتمٍ؛ لأنّ التراب كثيفٌ ليس له سيلان كالماء، ووقت النزع يكون عند المَسح، ويرى المالكية والحنفية وجوب تخليل الأصابع بباطن الكفّ عند المسح، بخلاف الشافعية والحنابلة الذين قالوا بندب التخليل احتياطاً.
-
أن يُزيل المُتيمّم النجاسة عن جسمه، ما لم تكن النجاسة ممّا عفا عنها الشرع، فإن تيمّم قبل إزالة النجاسة لم يصحّ تيممه.
سُنن التيمم
للتيمم العديد من السُّنن، وقد اختلف الفُقهاء في بعضها، وهي:
-
التسمية في بدايته.
-
تقديم اليمين على اليسار، وأعلى الوجه على أسفل الوجه، كما في الوضوء.
-
التخفيف من الغُبار الذي على التراب، اتّباعاً للنبي، ولئلّا يكون هُناك تشويهٌ للخِلقة، ولا يمسح الغُبار إلّا بعد الانتهاء من الصلاة.
-
التفريق بين الأصابع في الضربات على التراب؛ لما فيه من إثارةٍ للتراب.
-
نزع كُلّ ما يمنع وصول التراب إلى أعضاء التيمم.
-
تمرير اليد على جميع العضو المُراد مسحه على نحوٍ يُشبه الدلك في الوضوء، مع زيادة على الأعضاء بِمسح العضد؛ وهو ما بين المرفق والكتف.
-
استقبال القِبلة مع النُّطق بالشهادتَين، ورفع اليدين والبصر إلى السماء.
-
استعمال السواك عند المالكية.
-
الموالاة؛ أي تتابع مسح الأعضاء، وقد ذهب المالكية والحنابلة إلى أنّها من فروض التيمم، وأركانه.
ما يُباح بالتيمم:
اختلف الفُقهاء في ما يُباح للمُتيمم فِعله، وبيان خلافهم فيما يأتي:
-
الحنفية: قالوا إنّ المتيمم يُصلّي ما شاء من الصلوات، سواءً أكانت فرضاً أم نفلاً؛ لأنّه على طهارةٍ.
-
الحنابلة: قالوا إنّ للمتيمم أن يُصلّي بتيممه ما شاء من الصلوات، كالنوافل، وما عليه من القضاء ما دام في وقت الصلاة التي تيمّم لها؛ لقول ابن عمر: (يَتيمَّمُ لِكُلِّ صلاةٍ وإن لم يُحدِثْ).
-
المالكية والشافعية: قالوا إنّ المتيمم يصلّي بتيمّمه فرضاً واحداً، ولا يجوز له أن يُصلّي فرضَين، ويجوز له صلاة أكثر من نافلةٍ، أو فرضٍ ونافلةٍ إن كان صلّى الفرض أولاً عند المالكية، بِدليل فعل ابن عُمر: (يَتيمَّمُ لِكُلِّ صلاةٍ وإن لم يُحدِثْ)، ويجوز له عند المالكية وعند الشافعية في الراجح عندهم أن يُصلّي بتيممٍ واحدٍ فرض صلاة، وفرض جنازةٍ؛ لأنّ صلاة الجنازة بِمقام النافلة في جواز تركها؛ لأنّها فرض كفايةٍ.
مكروهات التيمُّم:
اختلف الفُقهاء في في مكروهات التيمم، وفيما يأتي بيان المكروهات في كلّ مذهبٍ:
-
الحنفية: يُكرَه لديهم ترك أيّ سُنّةٍ من سُنن التيمم، وتكرار المسح.
-
المالكية: تُكره لديهم زيادة أكثر من مرةٍ واحدةٍ في المسح، وكثرة الكلام بغير ذكر الله، والزيادة على أعضاء المسح إلى ما فوق المرفقين.
-
الشافعية: تُكره لديهم كثرة التراب، وتكرار المسح أكثر من مرةٍ، والتيمم مرةً أُخرى ولو بعد الصلاة، ونفض اليدين بعد التيمم.
-
الحنابلة: يُكره لديهم تكرار المسح أكثر من مرةٍ، وتكرار الضرب أكثر من مرّتَين، ونفخ التراب، مع إدخاله إلى الأنف والفم.
مبطلات التيمم:
للتيمُّم العديد من المُبطلات، وهي:
-
ما يبطل به الوضوء: فحُدوث أيّ ناقضٍ من نواقض الوضوء ينقض التيمم، ذلك إن كان التيمم من الحدث الأصغر، أمّا نواقض الوضوء فهي:
-
خروج شيء من أحد السبيلَين: القُبل، أو الدُّبر، كالبول، والرِيح باستثناء المني.
-
ذهاب العقل بالنوم، أو الجُنون، أو الإغماء، أو الصرع، وغير ذلك، ويُستثنى من ذلك النائم الجالس بتمكُّنٍ على الأرض.
-
التقاء بشرتَي رجلٍ وامرأةٍ بالغين، أجنبيّين عن بعضهما، من غير وجود حائلٍ بينهما، بشرط وجود الشهوة.
-
مَسّ القُبل، أو حلقة الدُّبر، بباطن اليد، أو بباطن الإصبع.
-
وجود الماء: وذلك في عدّة حالاتٍ، بيانها فيما يأتي:
-
وجود الماء قبل الصلاة؛ فقد ذهب الفُقهاء إلى بطلان التيمم، واستدلّوا بعدّة أدلةٍ، منها: قوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)، ووجه الدلالة أنّ الله أمر بالتيمم في حال عدم وجود الماء، أمّا في حالة وجوده فيجب استعماله، واستدلّوا بالإجماع؛ حيث أجمع العُلماء على أنّ من تيمّم ثُمّ وجد الماء قبل الصلاة، فإنّ تيمُّمه باطلٌ، باستثناء أبو سلمة بن عبدالرحمن والشعبي اللذَين ذهبا إلى أنّ التيمم لا يبطل بذلك إن كان فرغ منه.
-
وجود الماء أثناء الصلاة؛ فقد اختلف العُلماء في هذه الحالة، وبيان خِلافهم فيما يأتي:
-
قال الحنفية والحنابلة ببطلان الصلاة، ووجوب الوضوء، بدليل: (شُكِيَ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرَّجُلُ يَجِدُ في الصَّلاةِ شيئًا أيَقْطَعُ الصَّلاةَ؟ قالَ: لا حتَّى يَسْمع صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا)، ووجه الدلالة من الحديث أنّ النبي أوجب استعمال الماء، ولم يحدّد إن كان قبل الصلاة، أو أثناءها، أو بعدها، وقال بعض الحنابلة إنّ المُتيمِّم في الحالة السابقة يتطهّر، ويبني على صلاته.
-
قال المالكية بإتمام الصلاة؛ لأنّ الله جعل للطهارة وقتاً مُحدَّداً؛ وهو وقت القيام إلى فعل الصلاة، فإن تطهّر المصلّي بالتراب، فقد وقع وقت الصلاة، ولا يجوز له الخروج منها إلّا بدليلٍ.
-
فصّل الشافعية في ذلك؛ فقالوا إنّ كان التيمم يكفي عن إعادة الصلاة، كالتيمم في السفر، فإنّه يُتمّ صلاته، أمّا إن كان لا يكفي، كالتيمم في الحضر، فإنّ الصلاة تبطل، وعليه الإعادة، واستدلّوا بِقولٍ ضعيفٍ: "إنّ الإنسان إذا فقد الماء في الحضر فإنّه يتيمّم ويُصلي، فإن وجد الماء وجب عليه إعادة الصلاة".
-
وجود الماء بعد الانتهاء من الصلاة؛ فإذا وجده بعد خروج وقت الصلاة، فقد أجمع العُلماء على أنّه لا يُعيد صلاته، أمّا إن وجد الماء قبل خروج وقت الصلاة، ففي هذه المسألة أربعة أقوالٍ للفُقهاء، وهي:
-
قول الجُمهور من الحنفية والمالكية وبعض الحنابلة إنّه لا تجب عليه إعادة الصلاة، واستحباب المالكية إعادة الصلاة إن لم يمضِ وقتها، وحصل تقصيرٌ في طلب الماء، بدليل: (أنَّ ابنَ عمرَ أقبلَ من الجرفِ حتى إذا كان بالمِرْبَدِ تيمَّمَ وصلَّى العصرَ ثم دخل المدينَةَ والشمسُ مرتفعةٌ فلم يُعِدِ الصلاةَ).
-
قول بعض الحنابلة باستحباب الإعادة، سواءً خرج وقت الصلاة أو لم يخرج؛ خروجاً من الخلاف.
-
تفريق الشافعيّة بين وجود الماء بعد الصلاة إن كان التيمم في الحضر والسفر؛ فإن كان في الحضر فعليه الإعادة، وإن كان في سفرٍ طويلٍ فلا تجب الإعادة، وإن كان السفر قصيراً فلا.
-
قول عطاء وطاووس بوجوب الإعادة.
-
القُدرة على دفع ثمن الماء بلا مانعٍ، كأن يستدين من أراد الطهارة المال من غيره.
-
الردّة عن الإسلام؛ لأنّ استباحة الصلاة بفعل التيمم تكون مُنتفيةً مع الردّة.
-
زوال العلّة المُبيحة للتيمم، كالقدرة على استعماله بعد العجز.
أسباب التيمُّم:
للتيمم عدّة أسبابٍ، وبيانها فيما يأتي:
-
فُقدان الماء الذي يكفي للوضوء أو الغُسل، سواءً كان الفَقْد حسيّاً، كفقده حقيقةً، أو وجود ماءٍ لا يكفي، أو كان الفَقْد شرعياً، كخوف الوصول إليه، أو إن كان بعيداً، وقد قيّد الحنفية البُعد بمقدار ميلٍ أو أكثر، وعند المالكية بِمقدار الميلَين، أو احتاج إلى ثمنٍ للماء، أو وجد الماء بأكثر من ثمنه المُعتاد، لقوله -تعالى-: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)، أمّا الشافعية فقد فصّلوا في جواز التيمم بسبب فَقْد الماء؛ فقالوا: إنّ تأكّد من أراد التطهُّر من فَقْد الماء حوله، فإنّه يتيمّم دون أن يبحث عنه، وإن لم يتأكّد؛ فشكّ أو ظنّ وجوده، فإنّه يبحث عنه، فإن لم يجد، فيجوز له التيمم، أمّا إن تأكّد من وجوده في حدّ القُرب؛ وهو بِمقدار ستّ آلاف خطوةٍ؛ فيبحث عنه، بشرط أن يأمن على نفسه وماله، وألّا ينقطع عن الذين معه في السفر، أمّا الحنابلة فذهبوا إلى أنّه يجب عليه الوضوء في حال عدم وجود ما يكفيه من الماء، فيتوضّأ به، ثُمّ يتيمّم، واستدلّوا بحديث النبي: (وما أمَرْتُكم به فَأْتُوا منه ما استطَعْتُم)، أمّا لِشراء الماء؛ فيجب شراؤه بثمن المثل، ما لم يكن الشراء سبباً لدَينٍ يستغرق جميع المال، أو يمكن أن ينقطع به عن السفر، أو تنقطع نفقة من معه، وأمّا إن وُهِب له ماء، فيجب بالإجماع قبوله، ولا يجب عليه قبول ثمنه، وأمّا في حالة وجود الماء معه ولكنه نسي ذلك، ثُمّ تيمّم وصلّى، ولكنّه تذكّر الماء أثناء وقت الصلاة، فيجب عليه القضاء عند الشافعية، والمالكية، وأبي يوسف من الحنفية، في حين يرى الحنفية أنّه لا يقضي؛ لعدم القُدرة على استعماله؛ فلا قدرةً بلا علمٍ، ولكن إن تذكّر الماء وهو يُصلّي، فقد اتّفق الفُقهاء على أنّه يجب عليه قطع الصلاة، وإعادتها، ويُعيد إن ظنّ عدم وجود الماء.
-
عدم القُدرة على استعمال الماء؛ فعند المالكية، والحنابلة إلى أنّه العاجز عن استعمال الماء، كالمحبوس، والذي يخاف على نفسه، سواءً أكان في الحضر أو السفر، حتى وإن كان السفر في معصيةٍ؛ لأنّ التيمم مُباحٌ مُطلقاً، ولعموم قول النبي: (إنَّ الصعيدَ الطيبَ طهورُ المسلمِ، وإن لم يجدِ الماءَ عشرَ سنين، فإذا وجد الماءَ فلْيمسَّه بشرتَه، فإن ذلك خيرٌ)، أمّا الشافعية فيرون أنّ المُقيم المُتيمّم لعدم وجود الماء يجب عليه القضاء، وكذلك المُسافر في معصيةٍ دون المسافر في طاعةٍ، والحنابلة يرون أنّه لا يعيد؛ لأنّه أدّى ما هو مشروعٌ، واسثنى الحنفية من كان مُكرَهاً على تركه الوضوء، إذ يجب عليه التيمّم، وإعادة الصلاة.
-
المرض، أو تأخّر الشفاء بسبب استعمال الماء، ويُعرَف ذلك من خلال الطبيب أو العُرف.
-
الاحتياج إلى الماء حالاً أو مُستقبلاً؛ وذلك بأن يكون الاحتياج مُؤدِّياً للهلاك، أو إلحاق الأذى الشديد، أو للضرورة اعتقاداً أو ظنّاً، أو لإزالة نجاسةٍ، وإن كانت النجاسة على الثوب عند الشافعية، فإنّ المسلم يتوضّأ، ويُصلّي عارياً، أمّا إن كانت على البدن، فقد قال الحنابلة والشافعية بأنّ النجاسة إن كانت على البدن، وتحقّق العجز عن غسلها، أو أدّى غسلها إلى إلحاق ضررٍ ما، فإنّه يتيمّم ويُصلّي، ويقضي عند الشافعية، ولا يقضي عند الحنابلة.
-
الخوف من ضياع المال في حالة طلب الماء؛ فذهب المالكية إلى أنّ فاقد الماء يتيمّم إن خاف على دفع زيادةٍ على ما معه من مالٍ، وذهب غير المالكية إلى أنّه يتيمّم دون طلب المال في حالة الخوف، سواءً كان الخوف على النفس، أو المال، وغيرهما.
-
شدّة برودة الماء؛ إذ يُشرَع التيمم بسبب شدّة برودة الماء إن تسبّبت البرودة بإلحاق ضررٍ ما، ولم يجد المسلم ما يُسخّن الماء به، ولكن قيّد الحنفية هذا السبب في حالة الخوف من الموت، أو إتلاف لبعض الأعضاء بسبب الوضوء، وذلك للجُنْب فقط ولو في الحضر لا في السفر، وقيّدها المالكية فقط بالخوف من الموت، أمّا الشافعية والحنابلة فقالوا بالتيمّم للبرد إن تعذّر تسخين الماء مع الخوف من إلحاق ضررٍ ما بعضوٍ من الأعضاء، على أن يكون العضو ظاهراً عند الشافعية، وأن يكون الضرر في البدن عند الحنابلة، ويجب عليه القضاء عند الشافعية، أمّا المالكية والحنفية فذهبوا إلى أنّه لا يقضي، وعند الحنابلة روايتان بين القضاء وعدمه.
-
فقدان الآلة التي يُتناول بها الماء، كالحبل، إن خشي المسلم خروج وقت الصلاة، وزاد الحنابلة أنّه يجب عليه طلب استعارة الآلة ليحصل بها على الماء، ويقبلها، وإن استطاع أن يُحضر الماء بثوبه ثُمّ يعصره فيجب عليه الوضوء.
-
الخوف من خروج وقت الصلاة؛ فقد منع الشافعية والحنابلة التيمّم لهذا السبب، باستثناء المسافر، أمّا الحنفية فقالوا بالجواز في عدّة حالاتٍ؛ إن خاف فوات صلاة الجنازة، أو صلاة العيد إن توضّأ، أو صلاة الكسوف، وسُنن الصلوات المفروضة، كسُنّة الفجر، ولا يصحّ عندهم التيمُّم لصلاة الجُمعة، أو الصلوات المفروضة، والوتر، ويرى المالكية جواز التيمُّم لمن فقد الماء وخاف خروج وقت الصلاة.
الحكمة من مشروعيّة التيمم:
الحِكمة من مشروعية التيمم تتمثّل في أن يتسنّى للمُسلم إدراك الصلاة في وقتها، وقد جاءت الكثير من الأدلة التي تدُلّ على مشروعيته من القُرآن، والسنّة، والإجماع، فمن القُرآن قوله -تعالى-: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)، ومن السُنة قول النبي: (فُضِّلْنا علَى النَّاسِ بثَلاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنا كَصُفُوفِ المَلائِكَةِ، وجُعِلَتْ لنا الأرْضُ كُلُّها مَسْجِدًا، وجُعِلَتْ تُرْبَتُها لنا طَهُورًا، إذا لَمْ نَجِدِ الماءَ)، ونقل ابن عمر إجماع العلماء بِقوله: "إنّ التيمم واجبٌ عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله".