هو عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن آل باز، وكنيته أبو عبد الله، وُلد في مدينة الرياض، عام ألفٍ وثلاثمئةٍ وثلاثين، وتعلّم مبادئ العلوم، وبدأ بحفظ القرآن الكريم منذ طفولته عند الكتّاب، وعُرف بالتقى، والعلم منذ صغره، ومن الشيوخ الذين تلقّى عنهم العلم: الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ حمد بن فارس، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ومن الجدير بالذكر أنّ ابن باز -رحمه الله- بدأ يعاني من مرضٍ في عينيه سنة ألف وثلاثمئةٍ وستةٍ وأربعين، وبعدها بأربعة أعوامٍ فقد بصره بشكلٍ كاملٍ، ولكنّ الله أنار بصيرته، فكان له آراءً فقهيةً مختلفةً عن كثيرٍ من العلماء في بلده، منها: رأيه بوقوع طلقةٍ واحدةٍ عند قول الطلاق ثلاث مرّاتٍ، ومنها: عدم وقوع طلاق السكران، وعدم وقوع الطلاق أثناء الحيض، وقد أنقذ الله -تعالى- بفتواه الكثير من أُسر المسلمين من الخراب، وضياع الأولاد، بالإضافة إلى أنّه كان يُفتي بالأيسر للناس، موافقاً باجتهاده شيخ الإسلام ابن تيمية، وغيره من العلماء، وتجدر الإشارة إلى أنّه كان مفتي، وقاضي، وإمام، وخطيب الخرج لمدة أربعة عشر عاماً، ثمّ انتقل إلى الرياض للتدريس في معهد القضاء الأعلى، وكلية الشريعة، والمعاهد العلمية، وفي عام ألفٍ وثلاثمئةٍ وواحدٍ وثمانين انتقل إلى المدينة المنورة؛ ليشغل منصب نائب رئيس الجامعة الإسلامية، وبقي في منصبه إلى أن تُوفّي رئيس الجامعة، فتولّى فضيل الشيخ رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وفي عام ألفٍ وثلاثمئةٍ وخمسٍ وتسعين عُيّن ابن باز -رحمه الله- مُفتياً عامّاً، ورئيساً للإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، فعاش حياته في خدمة الإسلام والمسلمين، وتُوفّي في الطائف، فجر الخميس، السابع والعشرين من محرّم، عام ألفٍ وأربعمئةٍ وعشرين، وصلّى عليه الناس في الحرم المكيّ الشريف، ثمّ دُفن في مقبرة العدل.
تجدر الإشارة إلى أنّ سيرة الشيخ ابن باز -رحمه الله- مليئةً بالبذل والعطاء، وذلك ما جعل حبّه في قلوب الناس في شتى أنحاء العالم يتزايد، فمحبّة الناس لا تُشترى بالمال، ولا بالتزيّن الأجوف الذي لا ينبع من قيمٍ راسخةٍ، ومبادئٍ ثابتةٍ، وإنّما هي هبة من الله -تعالى- لعباده الصالحين، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إذا أحبَّ اللهُ العبدَ نادى جبريلَ: إنّ اللهَ يحبُّ فلاناً فأحبِبْه، فيُحِبُّه جبريلُ، فينادي جبريلُ في أهلِ السماءِ: إنّ اللهَ يحبُ فلاناً فأحبُّوه، فيُحِبُّه أهلُ السماءِ، ثمّ يُوضَعُ له القَبولُ في الأرضِ)، وفيما يأتي بعض المواقف العظيمة من سيرة الشيخ رحمه الله:
ممّا يدلّ على حُسن خلق الشيخ ابن باز -رحمه الله- قصته من السارق، وبدأت القصة في أحد الأيام بعد صلاة الفجر، عندما أحسّ فضيلة الشيخ بأنّ أحداً قفز إلى ساحة بيته، فأخبر أولاده بذلك، فلمّا بحثوا في الساحة وجدوا رجلاً باكستانياً قد دخل إلى البيت، فلمّا جاءوا به إلى الشيخ تفاجؤا بطلب الشيخ من الطبّاخ أن يعدّ للسارق طعاماً؛ لأنّه كان جائعاً، وبعد أن انتهى من الطعام سأله الشيخ عن السبب الذي جعله يفكّر بالسرقة، فأجابه الرجل أنّ والده يحتاج لعمليةٍ جراحيةٍ في باكستان، بكلفة عشرة آلاف ريالٍ، وكان لا يملك إلّا خمسة آلاف ريالٍ، ولذلك فكّر بسرقة خمسة آلافٍ أخرى، وإرسالها إلى والده، وبعد أن سمع منه الشيخ اتصل بأحد طلابه الذين يجيدون اللغة الباكستانية، وطلب منه أن يتصل بالمستشفى الذي يتعالج فيه والد السارق، ويستفسر عن صحة الأمر، فلمّا تحقّق الطالب من الأمر وجد أن الرجل صادقاً بما يقول، فقام الشيخ بالتبرّع بكلّ ما يلزم والد السارق للعلاج، وأعطاه خمسمئة ريالٍ أضافيةٍ، لأنه قد يحتاجها، وبعد هذا الموقف صلُح حال ذلك السارقن وأصبح من طلاب الشيخ رحمه الله، وعند وفاة الشيخ ابن باز -رحمه الله- لم يتحمّل الرجل فقد إمام أهل السنة والجماعة، فكان يُغمى عليه في كلّ يوم ثلاث مراتٍ، وكلّما دخل المسجد ورأى طلاب الشيخ، أو أحد أبنائه فقد وعيه؛ من شدّة الألم والحزن على فقدانه.
موسوعة موضوع