أسباب اضمحلال الثروة العباسية في العصر العباسي الثاني

الكاتب: بتول فواز -
أسباب اضمحلال الثروة العباسية في العصر العباسي الثاني

أسباب اضمحلال الثروة العباسية في العصر العباسي الثاني.

 

قلنا في بحثنا عن الثروة العباسية في العصر العباسي الأول وعلة كثرتها إن أسباب تلك الثروة كثرة الجباية، وقلة النفقة، وفصلنا ذلك تفصيلًا.

فأسباب قلة الثروة يجب أن تكون قلة الجباية، وكثرة النفقة، ولكل من هذين البابين فروع ولكل منها أسباب، هاك تفصيلَها:

أسباب قلة الجباية

ضيق المملكة العباسية

بلغت المملكة العباسية أكبر سعتها في أيام الرشيد والمأمون، ثم أخذت بعض الولايات تنفصل عنها لأسباب يطول شرحها، وأول ما استقل من الولايات العباسية إفريقية، بدأت بالاستقلال في أيام الرشيد كما تقدم، ثم خراسان في أيام المأمون، ثم مصر في أيام المعتمد في أواسط القرن الثالث للهجرة، ثم فارس وما وراء النهر وغيرها، ولم يمضِ الربع الأول من القرن الرابع حتى انقسمت تلك المملكة الواسعة إلى بضعة عشر قسمًا، كل منها في حوزة دولة من دول المسلمين، على أن معظم هذه الدول كانت تعد الخليفة العباسي رئيسها الديني وتؤدي إليه أموالًا، بعضها باسم الضمان، والبعض الآخر باسم المصالحة، والآخر باسم الهدية أو غير ذلك، وكان أكثرهم لا يؤدي ما عليه إلا مرة كل بضعة أعوام، وطبيعي أنَّ تَشتُّتَ المملكة على هذه الصورة يقلل مقدار الجباية.

تخفيض الخراج المضروب

ذكرنا من أسباب زيادة الثروة العباسية في أيام زهوها ثقل الضرائب، وخصوصًا في العراق؛ إذ كانت مقاسمة على النصف إلى أيام المأمون، فأدرك هذا الخليفة العاقل ثقل هذا الخراج، ورأى الثروة فائضة في بيت ماله، والأموال متوفرة، فعمد إلى التخفيف عن الناس فجعل خراج العراق خمسين١ أي أنه أنقصه عشرين في المائة وهو إسقاط عظيم، وقد ظهر فرق ذلك في ارتفاع جباية العراق حالًا؛ إذ كان في قائمة قدامة ١١٤٤٥٧٦٥٠ درهمًا فصار في قائمة ابن خرداذبة ٧٨٣١٩٣٤٠ درهمًا؛ لأن الأول قدره على ما يظهر باعتبار النصف، والثاني باعتبار الخمسين.
واقتدى بالمأمون في تخفيض الضرائب من جاء بعده من الخلفاء، فأبطل الواثق سنة ٢٣٢ﻫ أعشار السفن٢ وقد رأيت أنها ضريبة ذات بال كان يرد منها إلى بيت المال شيء كثير، واقتدى بالواثق خلفه المتوكل، فأرفق بأهل الخراج بتأخير ميقات اقتضائه شهرين، وسبب ذلك أن الفرس قبل الإسلام كانوا يبدأون بجباية الخراج في النوروز، وهو يقع عندهم في الخامس من حزيران (يونيو)، وكانوا يكبسون في كل مائة وعشرين سنة شهرًا بحيث يرجع النوروز إلى الخامس من حزيران، فإذا مضت ١٢٠ سنة أسقطوا شهرًا فيجعلون الخامس من حزيران الخامس من أيار (مايو) ولا يعيدون النوروز أو يطالبون بالخراج إلا بعد شهر أي حتى يأتي الخامس من حزيران، فلما فتح المسلمون العراق وفارس ظل الحساب في جباية الخراج على ما كان عليه قبل الإسلام حتى تمت المائة والعشرون، وكان ذلك في ولاية خالد بن عبد الله القسري على العراق، فأراد الفرس أن يسقطوا شهرًا على جاري عادتهم فنهاهم خالد وقال: «هذا من النسيء الذي نهى الله عنه.» واستشار الخليفة هشام بن عبد الملك في ذلك فوافقه على إبطال الكبس، فظل الحساب الجاري متقدمًا شهرًا عن الحساب الحقيقي الذي تنضج فيه الغلات، وظل الفرس يحاولون العود إلى الكبس فلم يتم لهم، ولما كانت خلافة الرشيد طلبوا إلى يحيى بن خالد أن يتوسط لدى الخليفة بشأن ذلك، فأراد يحيى أن يجيب طلبتهم، فتقوَّل أعداؤه في ميله إلى الزرادشتية فعدل عن عزمه، وما زال ذلك الفرق يتعاظم بتوالي الأعوام حتى صار في أيام المتوكل يقع في نيسان (أبريل) والزرع أخضر، واتفق أن المتوكل مر ببستان فرأى الزرع أخضرَ، فقال لرفيق له: «ما لي أرى الدواوين تطلب الخراج والزرع لم ينضج؟» فقص عليه السبب، فأمر أن يضاف إلى تلك السنة ما كان تأخر، فإذا هو شهران وبضعة أيام حتى يصير النوروز في الوقت اللازم، فأصدر أمره بذلك سنة ٢٤٣ﻫ ففرح الناس

 

شارك المقالة:
456 مشاهدة
المراجع +

موقع موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook