هو الصحابي الجليل عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب العدويّ القرشيّ، ويلتقي نسبه بنسب النبي -عليه الصلاة والسلام- في كعب بن لؤي، وأمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عمرو بن مخزوم، وُلد -رضي الله عنه- في مكة بعد عام الفيل بثلاثة عشر عاماً، ومن صفاته الخلقية أنه كان طويل القامة، أبيض اللون مشرباً بالحمرة، أصلع أشب يخضب بالحناء والكتم.
نشأ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- نشأةً شديدةً غليظةً لم يُعرف فيها الثروة والمال، ولا ذاق طعم الراحة والترف، حيث كلّفه أبوه الخطاب برعاية إبله وإبل خالاتٍ له من بني مخزوم، ثم تعلّم الكتابة والقراءة، وعمل بالتجارة، مما جعله من أغنياء مكة، وكان صاحب مكانةٍ في قريش، حيث تولى أمر السفارة في الجاهلية، فكان يذهب سفيراً للقبائل في حال الحرب، ويخرج مفاخراً في حال المفاخرة، وفي العام السادس للبعثة أسلم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعد دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يُعزّ الله -تعالى- به الإسلام، وبعد إسلامه لُقّب بالفاروق؛ لأنه أعلن الإسلام في مكة، ففرّق الله -تعالى- به بين الحق والباطل.
تُعدّ الشجاعة من أبرز الصفات التي تميّز بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد كان لا يتردّد في التضحية في سبيل الله والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب السيرة والتاريخ مليئةٌ بمواقف الشجاعة والثبات، ومنها ما رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه سأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن سبب تسميته بالفاروق، فأجابه بعد أن قصّ عليه قصة إسلامه قائلاً: "قلت يا رسولَ اللهِ أَلَسْنَا على الحقِّ إن مِتْنَا وإنْ حَيينَا؟ قال: بَلَى والذي نفسي بيدِهِ إنكم على الحقِّ وإن مِتُّمْ وإن حَييتمْ"، قال: فقلتُ: "ففيمَ الاختفاءُ؟ والذي بعثكَ بالحقِّ لنخرجنَّ"، ثم خرج المسلمون في صفّين على رأس أحدهما عمر بن الخطاب، وعلى رأس الآخر حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنهما- حتى دخلوا المسجد، فلما رأتهم قريش أصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، وعندها سمّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب بالفاروق.
ورُوي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: (واللهِ ما استطَعْنا أن نُصلِّيَ بالبيتِ حتَّى أسلَم عمرُ فلمَّا أسلَم عمرُ قاتَلهم حتَّى ودعونا فصلَّيْنا)، ومما يدل على شجاعة الفاروق -رضي الله عنه- إعلانه خبر إسلامه بعد دخوله في الإسلام مباشرة، حيث ذهب إلى بيت أبي جهل وأخبره بأنه قد أسلم من غير أن يخشى بطش قريشٍ وجبروتها، حتى إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاطب عمر بن الخطاب قائلاً: (والذي نَفْسِي بيَدِهِ، ما لَقِيَكَ الشَّيْطانُ قَطُّ سالِكًا فَجًّا إلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَ فَجِّكَ).
لم تقتصر قوة الفاروق -رضي الله عنه- على القوة البدنية فحسب، بل شملت القوة النفسية، والقوة الإيمانية أيضاً، حيث اكتسب -رضي الله عنه- القوة البدنية من طبيعة حياته وتربيته، فقد عايش قسوة الحياة في مكة، ولم يعرف طعم الراحة والرخاء، وقد ورث من والده الخطاب بن نفيل بعض صفات القوة، فقد عُرف أبوه بقوة الشكيمة، وشدة البأس، ومن صفات الفاروق أنه كان رجلاً جسيماً طويل القامة، يفوق الناس طولاً، فإذا كان بينهم ظهر كأنه راكبٌ على فرسه والناس يمشون، وكان إذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا مشى أسرع، ومن شدّة قوّته وفروسيّته كان يمسك بأذني الفرس ثم يثب عليه راكباً، وأما قوّته النفسية فأوضح دليل عليها صراحته وشجاعته، حيث كان لا يتردد في مصارحة النبي -عليه الصلاة والسلام- بحبّه له، وكذلك لم يتردد من إعلان إسلامه في مكة، ومما يدل على قوة إيمانه ما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أرْأَف أمتي بأمتي أبو بكرٍ، وأشدُّهم في دينِ اللهِ عمرَ).
ضرب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أروع الأمثلة في العدل بين الناس، فقد كان يقيم حدود الله -تعالى- على القريب والبعيد من غير أن يخشى في الله لومة لائم، وقد روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- أن عمر بن الخطاب كان إذا نهى الناس عن شيءٍ جمع أهل بيته وقال لهم: "إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا وإنهم إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وأيم الله لا أوتي برجل منكم فعل الذي نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة، لمكانه مني"، ورُوي أن أحد جيوش الفتح في بلاد فارس أعاق تقدّمه نهرٌ ليس عليه جسر، فأمر قائد ذلك الجيش أحد الجنود بالنزول إلى الماء في يومٍ شديد البرودة ليُعاين لهم مخاضة يعبرون منها، فقال الرجل: "أخشى أن أموت إن دخلت الماء"، ودخل الرجل الماء وهو ينادي قائلاً: "يا عمراه، يا عمراه"، ثم توفّي.
فوصل الخبر إلى الفاروق وهو في سوق المدينة المنورة فقال: "يا لبّيْكاه، يا لبّيْكاه"، ثم عزل قائد ذلك الجيش، وقال له: "لولا أن تكون سنة لاقدت منك، لا تعمل لي عملاً أبداً"، لمّا وصل تاج كسرى وسواريه لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "إنَّ الذي أدَّى هذا لأمين"، فقال له رجل: "يا أمير المؤمنين، أنت أمين الله يؤدّون إليك ما أدّيت إلى الله تعالى، فإذا رتعت رتعوا".
إن من الصفات التي تميّز بها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- صواب الرأي، حتى إن القرآن الكريم نزل موافقاً لرأي الفاروق في العديد من الأحداث، ومنها رأيه في أسرى بدر، فبعد انتهاء معركة بدرٍ كانت النتيجة قتل سبعين من كفار قريش، وأسر سبعين آخرين، فاستشار النبي -عليه الصلاة والسلام- بعض الصحابة في الأسرى، فكان رأي أبا بكر أخذ الفدية، وكان رأي الفاروق أن يُقتلوا ولا يؤخذ منهم فدية، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأي أبي بكر رضي الله عنه، ولكن القرآن الكريم نزل موافقاً لرأي عمر رضي الله عنه، حيث قال تعالى: (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكونَ لَهُ أَسرى حَتّى يُثخِنَ فِي الأَرضِ تُريدونَ عَرَضَ الدُّنيا وَاللَّـهُ يُريدُ الآخِرَةَ)، ووافق القرآن الكريم رأي الفاروق في اتّخاذ مقام إبراهيم مصلى، وبعدم الصلاة على رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول عند وفاته، وبمسألة حجاب أمّهات المؤمنين.
موسوعة موضوع