"في رحاب آية في معركة الأحزاب أخزى الله اليهود والمنافقين والأعراب ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ ومِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ? [الأحزاب: 9 - 11] لمز كثير من المنافقين والذين في قلوبهم مرض حركة المقاومة الإسلامية حماس؛ بأنها قادت الفصائل إلى تهدئةٍ مدتها ستة أشهر، وزعموا أنها قد تَبَدَّلَتْ لقمة العيش بالمقاومة، ثم إنها لم تجلب لقمة العيش، فقد ظل الصهاينة يَعْتَلُّون بإطلاق صاروخ من هنا، أو قذيفة من هناك لإغلاق المعابر بمعاذير ملفقة، وغرضهم من هذا، أن تكون تهدئة في مقابل تهدئة، ويظل الحصار قائمًا؛ لعله يكون سببًا في الانكسار، والذهاب إلى الحوار؛ لرفع الراية البيضاء، والتسليم بالعجز، والتخلي عن المسؤولية، أو القبول بشروط الرباعية، والتوحل في الاعتراف بشرعية الاحتلال. و لما لم يفلح الأطراف جميعًا في استدراج الحركة إلى ما يشتهون؛ كان القرار بتوجيه ضربة قاصمة تطيح بالحكومة، وتقضي على المقاومة، وتعيد قطاع غزة إل وطأة الرئاسة الفلسطينية والدائرين حولها، وقد تَبَيَّنَ أن الحركة لم تُضِعْ ساعة واحدة استعدادًا لهذه الساعة، وأنها صبرت على الاتهام والسهام، ولم يَسْتَخِفَّها الذين يوقنون. وقد ظن الصهاينة أنهم حين اعتدوا في السبت؛ إذ أغارت ستون طائرة في دقيقة واحدة، فدكَّتْ كثيرًا من مراكز الشرطة، والمواقع التابعة للمقاومة، من شمال القطاع إلى جنوبه، واستطاعت في دقائق معدودات أن تذهب بمائتي شهيد، أو يزيد، وبما يفوقه من الجرحى، ظنوا أنهم بذلك قد تمكنوا من أن يجعلوا الحركة تمسي كسيرة الجناح، وأنهم في غضون يومين تاليين سيتمكنون من القضاء على ما تبقى من الأهداف، فتنتهي بذلك الحركة؛ فريقًا يقتلون، ويأسرون فريقًا، وقد انسلخ الأسبوع كاملًا وهم يقصفون من الجو، ولم يجزموا أنهم دَمَّروا مخزنًا للأسلحة، ولا منصةً لإطلاق الصواريخ، سواء كانت محلية الصنع كالقسام، أو مهربة كالجراد، بل لم يصلوا إلى أيٍّ من القيادات العسكرية أو السياسية، إلا ما كان من جريمة اغتيال فضيلة الأستاذ الشهيد نزار ريان، مع معظم أفراد أسرته. لذلك لم يكن بُدٌّ من الحرب البرية، وعلى الرغم من وجود سبعة ألوية؛ إلا أن شعور العدو بالعجز جعله يستدعي خمسمائة وألفين من الاحتياط، وقد ظل فيها أسبوعين كاملين معتمدًا على سلاح الطيران، ولم يسجل إلا مزيدًا من إعادة قصف الأهداف السابقة، أو تفريغ الصواريخ في المناطق الخالية، والمحررات السابقة؛ لتسجيل المزيد من الغارات؛ ذلك أن الغزو البري الذي حاول أن يعزل مدينة غزة، وأن يقضمها من أطرافها، لم يستطع أن يتقدم أكثر من بضع مئات من الأمتار في المناطق شبه الخالية، وأن يفتك ببعض أهلها؛ عسى أن يحملهم على الهَرَبِ إلى الداخل؛ حتى تختنق المدينة بالنازحين من الأطراف، ولكن العدو قد جُوبِهَ بمقاومة لا قِبَلَ له برجالها، مع القطع بأن الذين شاركوا في المقاومة لم يبلغوا عُشْرَ أُسودها؛ فإن أهل الأحياء المكتظة، والمخيمات المزدحمة، لم يكونوا قادرين على حرية التنقل والحركة؛ نظرًا لأن طائرات الاستطلاع، والمروحية، والثقيلة، لم تكد تفارق سماء الأحياء والمدن ليلًا ونهارًا، وكانت من الجنون بحيث تستهدف كلَّ متحركٍ بأدنى شبهة، ولو كان ممتطيًا حمارًا، أو دراجة نارية، ولم يسلم المشاة كذلك من القصف الجوي، ويكفي أن نعلم أن الجيش المعتدي قد استنفذ نصف مخزونه من الذخائر، واحتاج إلى مددٍ سريع، في مناقصة مدتها ثلاثة أيام لنقل ثلاثة آلاف طُنٍّ منها من أقرب القواعد الأمريكية إلى الكيان الغاصب. و قد أيقن العدو بالعجز عن إخضاع غزة، وعن تحقيق أهدافه الكبرى، فاكتفى بما أنجزه من التهديم والتقتيل، خاصة بعد أن تمكن من اقتناص معالي وزير الداخلية الأستاذ الشهيد سعيد صيام، لذلك أعلن وقف إطلاق النار من طرف واحد، وقامت المبادرات والقمم الهادفة إلى حفظ ماء وجوه قادته الفاشلين، خاصة وأن من أهداف العدوان أن تكون دماؤنا ورقة انتخابية يتوسلون بها إلى الناخب الصهيوني المتعطش للدماء. أما آيات الأحزاب فتأمرنا أن نذكر نعمة ربنا بالحمد والثناء، فقد جاءنا أكثر من عشرة آلاف مقاتل، عازمين على استئصالنا من المدينة المنورة، وإنهاء دولة الإسلام، ثم انضمَّ إليهم ما يزيد على سبعمائة من يهود بني قريظة، فضلًا عن المنافقين الذين لا يقلون خطرًا عن الغزاة، فقد كانوا على استعداد للردة عن الدين، والانخراط في صفوف المعتدين؛ بحثًا عن السلامة من ناحية، وعن الأمجاد والرياسة من ناحية أخرى، تلك التي فقدوها يوم هاجر المؤمنون إلى المدينة، وأعلنوا الخلافة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تمامًا كما حصل لفصائل منظمة التحرير يوم فازت حماس في التشريعي، وكانت عماد الحكومة. لقد جاء الأحزاب من فوقهم، ومن أسفل منهم؛ إذ هجمت قريش من جهة، وهجمت غطفان ومن معها من الأعراب من جهة أخرى، ولم يكن عدد المسلمين يزيد عن ثلاثة آلاف، وقد اضطر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يختار منهم خمسمائة؛ لحماية المدينة من داخلها، خشية أن ينتهز اليهود والمنافقون فرصة انشغالنا بصد الهجمات الخارجية، فيميلوا على النساء والذراري ميلة واحدة. حقًا! لقد زاغت الأبصار، فهل يلتفتون إلى الآتين من فوقهم، أو الزاحفين من تحتهم، وقد نزل بهم من الرعب ما بلغت معه القلوب الحناجر؛ كناية عن شدة الخوف، فإذا انضاف إل ذلك شدة الجوع، وشدة البرد، فإن المؤمنين قد ابْتُلُوا في ذلك اليوم، وزُلْزِلوا زلزالًا شديدًا، لذلك فإننا لا نعجب أن تختلف ظنونهم بالله، فمنهم المنافقون وضعاف الإيمان الذين قالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا، حين بَشَّرهم النبي صلى الله عليه وسلم بكنوز كسرى، وقصور قيصر، وخزائن صنعاء، بينما الراسخون الذين أوتوا العلم والإيمان يقولون: هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا؛ فقد قال سبحانه: ? أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ والضَّرَّاءُ وزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ? [البقرة: 214]. إن الذي حدث أنه بمجرد وصول نبأ وفد يهود بني النضير المنطلق من خيبر، وأنه تمكنَّ من تحريض قريش، ثم استنفر غطفان ومن حولها من الأعراب، قام النبي عليه الصلاة والسلام، واستشار أصحابه، فأرشدهم سلمان الفارسي رضي الله عنه إلى خطة فارسية، وهي حفر الخنادق حول المدن، لمنع العدو من اقتحامها، فإن المناوشات من وراء الخنادق لا تحسم المعارك، وفي أقل من أسبوع كان الخندق جاهزًا حول المدينة، في المنطقة المكشوفة منها، بحيث لا تطيق الخيل اجتيازه، ومن سقط فيه لا يملك الخروج، وقد فُوجِئتْ زحوف العرب بهذه المكيدة، ومكثوا شهرًا وهم عاجزون عن الجوس خلال ديارنا، فما تكاد الخيل تقترب حتى نصدها بالنبال والسهام، حتى إذا قارب الشهر على الانسلاخ، وقاربت أزوادهم على النفاد، كثفوا من هجماتهم؛ لعلهم يفتحون ثغرة في الخندق، فلم يفلحوا، ولما رأى ربنا تبارك وتعالى ما بنا من الصبر والثبات، وإخلاص الجهاد لله، تدخل بقدرته المطلقة، فأرسل عليهم ريحًا تقتلع الخيام، وتكفأ القدور، ولا يستطيعون معها قرارًا، كما أرسل عليهم ملائكة لم تروها، فقذفت الرعب في قلوبهم، فولوا مدبرين، وانقلبوا خائبين، وردَّ الله الذين كفروا بغيظهم، لم ينالوا خيرًا، وكفى الله المؤمنين القتال، أيْ قتال الدفع، وكانت معركة الخندق فرقانًا بين مرحلة الاستضعاف والمقاومة، ومرحلة الزحوف والطلب، لذلك فقد كنا في اليوم التالي على موعد مع صلاة العصر في بني قريظة، وبعد حصار دخل أسبوعه الرابع قذف الله عز وجل الرعب في قلوبهم فاستسلموا؛ فريقًا تقتلون، وتأسرون فريقًا. فإذا عدنا إلى غزوة غزة نجدها تحاكي غزوة الأحزاب، فقد أرادها اليهود والصليبيون والأعراب معركة استئصال لأهل غزة، ولحركة حماس، فواجهناهم بالخنادق والأنفاق التي لم يستطيعوا معها أن يثبتوا أقدامهم في الأطراف، ومع مستهل الأسبوع الرابع كانوا يعلنون عن الهزيمة من طرفٍ واحد، فقد أرهقتهم المقاومة في الفراغ الذي تقدموا فيه، كما أنهكتهم الصواريخ المنهمرة على الهاربين في الملاجئ لما يقارب المليون صهيوني في محيط 50 كيلو مترًا، وقد حرصوا على التكتيم على خسائرهم، حتى لا يظهر حجم القرح الذي مَسِّهم، ولا الألم الذي أصابهم، ونحن بانتظار نتائج لجنة فينوغراد الثانية إن شاء الله تعالى، حتى تنجلي كثير من الحقائق. و الحمد لله الذي صدق وعده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده. "
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.