موسوعة المتسابقين في السيرة النبوية (16)

الكاتب: المدير -
موسوعة المتسابقين في السيرة النبوية (16)
"إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (32) قوله: وَحَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ قَارِنَا ??? وَوَقَفَ الْجُمْعَةَ فِيهَا آمِنَا وفي السنة العاشرة حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع. عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بالمدينة تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج هذا العام، فقدم المدينة بشرٌ كثيرٌ - وفي روايةٍ: فلم يبق أحدٌ يقدر أن يأتي راكبًا أو راجلًا إلا قدم - فتدارك الناس ليخرجوا معه، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله.   قال جابرٌ: وخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((مهلُّ أهل المدينة من ذي الحليفة، ومهلُّ أهل الطريق الآخر الجحفة، ومهلُّ أهل العراق من ذات عرقٍ، ومهلُّ أهل نجدٍ من قرنٍ، ومهلُّ أهل اليمن من يلملم)).   قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمسٍ بقين من ذي القعدة - أو أربعٍ - وساق هديًا، فخرجنا معه، معنا النساء والولدان، حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميسٍ محمد بن أبي بكرٍ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ فقال: ((اغتسلي واستثفري[1] بثوبٍ وأحرمي)).   وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهو صامتٌ[2].   الإحرام: ثم ركب صلى الله عليه وسلم القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالحج - وفي رواية: أفرد الحج هو وأصحابه - قال جابرٌ: فنظرت إلى مد بصري بين يديه من راكبٍ وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيءٍ عملنا به.   فأهل بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)).   وأهل الناس بهذا الذي يهلون به - وفي رواية: ولبى الناس - والناس يزيدون: لبيك ذا المعارج، لبيك ذا الفواضل، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته.   قال جابرٌ: ونحن نقول: لبيك اللهم، لبيك الحج، نصرخ صراخًا، لسنا ننوي إلا الحج مفردًا، لا نخلطه بعمرةٍ - وفي رواية: لسنا نعرف العمرة، وفي أخرى: أهللنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالحج خالصًا ليس معه غيره، خالصًا وحده[3] - وأقبلت عائشة بعمرةٍ، حتى إذا كانت بسرف[4] عركت[5].   دخول مكة والطواف: حتى إذا أتينا البيت معه صبح رابعةٍ مضت من ذي الحجة، دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد، فأناخ راحلته ثم دخل المسجد، فاستلم الركن - وفي رواية: الحجَر الأسود[6] - ثم مضى عن يمينه فرمل حتى عاد إليه ثلاثًا، ومشى أربعًا هينته[7]، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ: ? وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ? [البقرة: 125]، ورفع صوته يُسمِع الناس، فجعل المقام بينه وبين البيت، فصلى ركعتين، فكان يقرأ في الركعتين: ? قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ? [الإخلاص: 1]، و? قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ? [الكافرون: 1] - وفي رواية: ? قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ? [الكافرون: 1]، و? قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ? [الإخلاص: 1].   ثم ذهب صلى الله عليه وسلم إلى زمزم فشرب منها، وصب على رأسه، ثم رجع إلى الركن فاستلمه.   الوقوف على الصفا والمروة: ثم خرج صلى الله عليه وسلم من الباب - وفي رواية: باب الصفا - إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: ? إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ? [البقرة: 158]، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره ثلاثًا، وحمده، وقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده))، ثم دعا بين ذلك، وقال مثل هذا ثلاث مراتٍ.   ثم نزل ماشيًا إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا - يعني: قدماه - الشق الآخر مشى، حتى أتى المروة، فرقي عليها حتى نظر إلى البيت، ففعل على المروة كما فعل على الصفا.   الأمر بنسخ الحج إلى العمرة: حتى إذا كان آخر طوافه - وفي رواية: كان السابع - على المروة، فقال: ((يا أيها الناس، لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسُقِ الهدي، وجعلتها عمرةً، فمن كان منكم ليس معه هديٌ، فليحل، وليجعلها عمرةً))، - وفي رواية: فقال: ((أحلوا من إحرامكم، فطوفوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، وقصروا[8]، وأقيموا حلالًا، حتى إذا كان يوم التروية[9] فأهلوا بالحج، واجعلوا التي قدمتم بها متعةً)).   فقام سراقة بن مالك بن جعشمٍ - وهو في أسفل المروة - فقال: يا رسول الله، أرأيت عمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبدٍ؟ قال: فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدةً في الأخرى، وقال: ((دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لا، بل لأبدٍ أبدٍ، لا، بل لأبدٍ أبدٍ))، ثلاث مراتٍ، قال: يا رسول الله، بيِّن لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيمَ العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير أو فيما نستقبل؟ قال: ((لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير))، قال: ففيم العمل إذًا؟ قال: ((اعملوا؛ فكل ميسرٌ لما خُلق له))[10].   قال جابرٌ: فأمرنا إذا حللنا أن نهدي، ويجتمع النفر منا في الهدية، كل سبعةٍ منا في بدَنةٍ، فمن لم يكن معه هديٌ، فليصم ثلاثة أيامٍ، وسبعةً إذا رجع إلى أهله.   قال: فقلنا: حل ماذا؟ قال: الحل كله، قال: فكبر ذلك علينا، وضاقت به صدورنا.   النزول في البطحاء: قال: فخرجنا إلى البطحاء، قال: فجعل الرجل يقول: عهدي بأهلي اليوم، قال: فتذاكرنا بيننا، فقلنا: خرجنا حجاجًا لا نريد إلا الحج، ولا ننوي غيره، حتى إذا لم يكن بيننا وبين عرفة إلا أربعٌ - وفي رواية: خمس ليالٍ - أمرنا أن نفضي إلى نسائنا، فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني من النساء[11]، قال: يقول جابرٌ بيده، قال الراوي: كأني أنظر إلى قوله بيده يحركها، قالوا: كيف نجعلها متعةً وقد سمينا الحج؟ قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فما ندري أشيءٌ بلغه من السماء أم شيءٌ بلغه من قِبل الناس! [1] الاستثفار: أن تشد المرأة فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنًا، فتمنع بذلك سيل الدم. [2] صامت: يعني لم يلبِّ بعد. [3] وهذا في أول الحجة، وقبل أن يعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعية العمرة في أشهر الحج، وفي ذلك أحاديث، منها: حديث عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فقال: ((من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة، فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة، فليهل))، قالت عائشة: وكنت فيمن أهل بالعمرة؛ (البخاري، ومسلم)؛ قاله الألباني حجة النبي (56) هامش. [4] سرف: بكسر الراء: موضع قرب التنعيم، وهو من مكة على عشرة أميال، وقيل: أقل، وقيل: أكثر. [5] عركت: أي: حاضت. [6] قال الألباني: واستلم الركن اليماني أيضًا في هذا الطواف، كما في حديث ابن عمر، ولم يقبله، وإنما قبل الحجر الأسود، وذلك في كل طوفة؛ حجة النبي (57) هامش. [7] قال الألباني: وطاف صلى الله عليه وسلم مضطبعًا، كما في غير هذا الحديث، والاضبطاع: أن يدخل الرداء من تحت إبطه الأيمن، ويرد طرفه على يساره، ويبدي منكبه الأيمن، ويغطي الأيسر؛ حجة النبي (58) هامش. [8] هذا هو السنة والأفضل بالنسبة للمتمتع؛ أن يقصر من شعره، ولا يحلقه، وإنما يحلقه يوم النحر بعد فراغه من أعمال الحج، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، فقوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اغفر للمحلقين))، ثلاثًا، ((وللمقصرين))، مرة واحدة محمول على غير المتمتع؛ كالقارن والمعتمر عمرة مفردة، فالقول بأن الحلق للمتمتع أفضل - كما هو مذهب الحنفية - ليس بصواب؛ قاله الألباني حجة النبي (61) هامش. [9] هو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأنهم كانوا يرتوون من الماء لما بعده، أي: يسقون ويستقون. (نهاية). [10] زاد في حديث آخر: ((أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة))، ثم قرأ: ? فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ?  [الليل: 5 - 10]؛ رواه البخاري وغيره؛ حجة النبي (63) هامش. [11] إشارة إلى قرب العهد بوطء النساء؛ (نووي). "
شارك المقالة:
18 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook