"من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السلام (2) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: القُرّاء الأكارم، أسعد الله أوقاتكم، ويسر أمركم، وزادكم من فضله، ووفقكم لما فيه الخير والسداد. (من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السلام 2) كان صلى الله عليه وسلم يَتَحَمَّلُ السلام: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: « أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ»[1]. فمن خصائص أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها أن الله سبحانه بعث إليها السلام مع جبريل عليه السلام فبلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك[2]. عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لها: «يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ»، فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ[3]. قال ابن الجوزي: قال قائل: فهلا واجهها جبريل بالسلام فكان أعجب كما واجه مريم، فالجواب من وجهين: أحدهما: أنه لما قدر وجود عيسى لأمر آت بعث جبريل إلى مريم يعلمها بكونه قبل كونه، لتعلم أنه مكون بالقدرة فتسكن في زمن الحمل، ثم بعث إليها عند الولادة لكونها في حيرة ووحدة، فقال لها: ?أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ? [مريم: 24]، فكان خطاب الملك لها في الحالتين تسكينا لانزعاجها، ومبدأ لمعجز ولدها، بخلاف عائشة. والثاني: أن مريم كانت خالية عن زوج، فواجهها بالخطاب، وعائشة احترمت لمكان الرسول...، وهذا أبلغ في فضل عائشة؛ لأنها إذا احترمها جبريل الذي لا شهوة له حفظا لقلب زوجها كانت عن الفحشاء التي قيلت عنها أبعد[4]. كان صلى الله عليه وسلم يكرر السلام في الاستئذان: عن عبد الله بن بُسْرٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَتَى بَابَ قَوْمٍ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِنْ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ، وَلَكِنْ مِنْ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ، أَوِ الْأَيْسَرِ، وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ»[5]. قوله: لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه أي: مقابل وجهه وحذائه لئلا يقع بصره على أهل البيت ولكن يستقبل مع الانحراف والميل، من ركنه الأيمن أو الأيسر أي: من أحد جانبيه الأنسب بالوقوف فيقول: السلام عليكم، أي: أولا، السلام عليكم أي: ثانيا حتى يتحقق السماع والإذن، والمراد بالتكرار التعدد لا الاقتصار على المرتين، فإنه كان من عادته التثليث[6]. كان سلام النبي صلى الله عليه وسلم، سلامًا متوسطًا بين الرفع والمخافتة: عن المقداد رضي الله عنه في حديثه الطويل، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان: « يَجِي مِنَ اللَّيْلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا، وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ»[7]. قال النووي: يشترط في ابتداء السلام وجوابه رفع الصوت بحيث يحصل الاسماع وينبغي أن يرفع صوته رفعا يسمعه المسلم عليهم والمردود عليهم سماعا محققا ولا يزيد في رفعه على ذلك فإن شك في سماعهم زاد واستظهر وإن سلم على أيقاظ عندهم نيام حفض صوته بحيث يسمعه الأيقاظ ولا يستيقظ النيام[8]. وعن ثابت بن عبيد قال: أتيت مجلسا فيه عبد الله بن عمر، فقال: إِذَا سَلَّمْتَ فَأَسْمِعْ؛ فَإِنَّهَا تَحِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيْبَةً[9]. وأقل السلام الذي يصير به مؤديًا سنة السلام أن يرفع صوته بحيث يُسمع المسلَّم عليه، فإن لم يُسْمعه لم يكن آتيًا بالسلام، فلا يجب الرد عليه، وأقل ما يسقط به فرض ردّ السلام أن يرفع صوته بحيث يسمعه المسلِّم، فإن لم يسمعه لم يسقط عنه فرض الرد[10]. كان من هديه صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسَلِّمَ على الصبيان: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قال: مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن صبيان، فقال: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا صِبْيَانُ»[11]. وعن أنس أيضًا، «أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ» وَقَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ»[12]. فسلام النبي صلى الله عليه وسلم، على الصبيان من خلقه العظيم، وأدبه الشريف وتواضعه عليه السلام، وفيه تدريب لهم على تعليم السنن، ورياضة لهم على آدابه الشريعة ليبلغوا حد التكليف وهم متأدبون بأدب الإسلام، وقد كان عليه السلام يمازح الصبيان ويداعبهم ليقتدي به في ذلك، فما فعل شيئا وان صغير إلا ليسن لأمته الاقتداء به، والاقتداء لأثره[13]. جملة القول: • استحباب السلام عند دخول البيت. • من آداب السلام الرفق والتوسط بين الرفع والخفض والرفق. • استحباب بعث السلام، وتبليغه، والردُّ على الْمُبَلِّغِ، والزيادة في رد السلام. • استحباب السلام على الصبيان. ختامًا: بارك الله فيكم، وأسعدكم بطاعته ورضوانه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته [1] صحيح البخاري (5/ 39)، رقم (3820)، صحيح مسلم (4/ 1887) رقم (2432). [2]جلاء الأفهام لابن القيم (ص: 235). [3]صحيح البخاري (4/ 112)، رقم (3217 )، صحيح مسلم (4/ 1896) رقم (2447). [4]كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي (4/ 350). [5]سنن أبي داود (4/ 348)، رقم (5186)، صحيح الجامع (2/ 849)، رقم (4638). [6]مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للهروي (7/ 2961) [7]صحيح مسلم (3/ 1625) رقم (2055). [8]المجموع شرح المهذب للنووي (4/ 594). [9] صحيح الأدب المفرد (ص: 385)، رقم (1005). [10]الأذكار للنووي (ص: 245). [11]صحيح البخاري (8/ 55) رقم (6247)، صحيح مسلم (4/ 1708) رقم (2168)، واللفظ للبخاري. [12]مصنف ابن أبي شيبة (5/ 251) رقم (25775)، مسند أحمد مخرجا (20/ 248) رقم (12896)، السلسلة الصحيحة (6/ 1091) رقم (2950). [13]شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 27). "
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.