من المولد إلى المبعث (3)

الكاتب: المدير -
من المولد إلى المبعث (3)
"فائدة من مجمع الفوائد   قال ابن إسحاق: لما أراد الله تعالى إظهار دينه وإعزاز نبيه وإنجاز موعده؛ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج فذكروا أنه قال لهم: ممن أنتم؟ قالوا له: من الخزرج: قال أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا بلى، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله تعالى وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن، وقد كانوا يسمعون من اليهود أن نبياً مبعوثاً قد أظل زمانه، فقال بعضهم لبعض والله يا قوم إن هذا النبي الذي تعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه فأجابوه وهم فيما يزعمون ستة: أسعد بن زرارة، وعوف بن مالك وهو ابن عفراء، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نأبى، وجابر بن عبد الله بن رئاب. فلما انصرفوا إلى بلادهم وقد آمنوا ذكروا لقومهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم اثنا عشر رجلاً من الأنصار فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة وهي العقبة الأولى، فبايعوه بيعة النساء قبل أن تفترض الحرب، وفيهم عبادة بن الصامت، قال عبادة، بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف، وذلك قبل أن تفترض الحرب فإن وفيتم بذلك فلكم الجنة وإن غشيتم شيئاً فأمركم إلى الله، إن شاء غفر وإن شاء عذب. فلما انصرف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معهم مصعب بن عمير إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن، فنزل على أسعد بن زرارة، فكان يسمى بالمدينة المقرئ فلم يزل يدعو الناس إلى الإسلام حتى شاع الإسلام، ثم رجع مصعب إلى مكة قبل بيعة العقبة الثانية. قال كعب بن مالك: خرجنا في الحجة التي بايعنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة مع مشركي قومنا، فواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة أواسط أيام التشريق، ونحن سبعون رجلاً، ومعهم امرأتان فلما كانت الليلة التي واعدنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم نمنا أول الليل مع قومنا فلما استثقل الناس من النوم تسللنا من فرشنا تسلل القطا حتى اجتمعنا بالعقبة فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس ليس معه غيره، فقال العباس: يا معشر الخزرج. إن محمداً منا حيث قد علمتم، وهو في منعة من قومه وبلاده وقد أبى إلا الانقطاع إليكم فإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلاناً فاتركوه في قومه فإنه في منعة من عشيرته وقومه. فقلنا: قد سمعنا ما قلت، تكلم يا رسول الله، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الله ورغب إلى الإسلام وتلا القرآن فأجبناه بالإيمان به والتصديق له وقلنا له: يا رسول خذ لربك ولنفسك، قال: إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم منه أبناءكم ونساءكم، فأجابه البراء بن معرور فقال: نعم والذي بعثك بالحق مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر. فعرض في الحديث أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين أقوام حبالاً وإنا قاطعوها، فهل عسيت إن أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فقال رسول الله: بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني، أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم. فقال له البراء بن معرور: ابسط يدك يا رسول الله نبايعك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيباً فأخرجوهم وهم أسعد بن زرارة وعبد الله بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، ورافع بن مالك بن العجلان، وعبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع وعبادة بن الصامت، وأسيد بن حضير، وأبو الهيثم بن التيهان، وسعد بن خيثمة. فأخذ البراء بن معرور بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عليها فكان أول من بايع وتتابع الناس فبايعوا. قال ابن اسحق: فلما أيقنت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بويع وأمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة، تآمروا بينهم فقالوا: والله لكأنه قد كر عليكم بالرجال فأثبتوه أو اقتلوه أو أخرجوه، فاجتمعوا على قتله، وأتاه جبريل وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه، فبات في غيره فلما أصبح أذن له في الخروج إلى المدينة[1]. [1] صفة الصفوة (ج1/ ص120 /124). "
شارك المقالة:
13 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook