تحتلُّ الزكاة مرتبةً خاصة في الإسلام؛ إذ إنّها الفريضة المالية الوحيدة في الإسلام، فقد حَوَت جميع الجوانب الروحانية كالصلاة والصيام والحج، والأعمال القولية كقراءة القرآن والذكر، والأعمال البدنية كالصلاة والحج كذلك، والعلاقات الدولية كالعهود والمواثيق والسِّلم والحرب وأحكام المستأمنين وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالسياسة الشرعية، وقد مثَّلت الزكاة بشكلٍ رئيس الأمور المالية، لذلك اعتنى بها الشارع الحكيم عناية خاصة وأولاها أهمية ومكانةً متميزة، فمتى فُرِضَت الزكاة؟ وما هي أحكامها؟ وعلى من تجب ومتى تجب؟
تُعتبر الزكاة من أوائل الفرائض التي شرّعها الله وألزم بها عباده؛ حيثُ كانت فرضيتها في شهر شوال من السنة الثانية للهجرة، وقد فُرضت في المدينة المنورة، وأعقبت من حيث توقيت الفرضية فرض صيام شهر رمضان وزكاة الفطر؛ إلّا أنّ الزكاة لا تجب على الأنبياء بإجماع العلماء؛ حيث إنها طُهرة للمرء ممّا ارتكب من الذنوب والآثام، ولا يرد ذلك على الأنبياء؛ حيث إنّهم مبرؤون من كلِّ ذلك، ولأنّ ما في أيدي الأنبياء إنما هو ودائع لله، فلا ملك لهم، كما أنهم لا يُورَثون أيضاً، وقد قُرنت فرضية الزكاة بالصلاة في مواضع عديدة من كتاب الله، بلغ عددها اثنين وثمانين موضعاً، وذلك دليلٌ واضحٌ على العلاقة والتكامل بين الصلاة والزكاة.
أما دليل مشروعية ووجوب الزكاة فأساسه القرآن الكريم وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم، كما أنَّ الأمة أجمعت على وجوبها، أما دليل ذلك من كتاب الله فقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)، وقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) وغير ذلك العديد من الآيات الواردة في كتاب الله، أما دليل مشروعية الزكاة من السنة؛ فقول النبي صلّى الله عليه وسلم: (بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ)، كما أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً - رضي الله عنه - إلى اليمن، قال له: (إنك تأتي قومًا من أهلِ الكتابِ، فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمْهم أن اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن اللهَ افترض عليهم صدقةً تُؤخَذُ من أغنيائِهم فتُرَدُّ على فقرائِهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم، واتّقِ دعوةَ المظلومِ، فإنها ليس بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ).
كما أنَّ المسلمين قد أجمعوا في جميع العصور من لدن عهد الصحابة وحتى هذا اليوم على وجوب الزكاة، وقد اتّفق الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين على وجوب قتال من يمنع الزكاة؛ حيث إن منكر فرضيتها كافرٌ مرتدٌ عن الإسلام ما دام يعرف بفرضيتها، وهو في مكان يصله معرفة ذلك من خلال العلماء والدعاة، فيُستتاب منكر الزكاة ثلاثة أيام فإن تاب وإلا وجب قتله حداً، أما من أنكر وجوب الزكاة جاهلاً بذلك لحداثة إسلامه، أو لعدم وجود من ينقل إليه خبر وجوبها كأن يكون ممن يعيش في الصحاري، فإنّه يُعرَّف بحكمها وأنها واجبةٌ عليه بالكتاب والسنة، ولا يُعتبر كافراً لأنّه معذور.
للزكاة مجموعة من الشروط التي ينبغي توافرها في المزكِّي حتى تكون عليه واجبة، فإن انتفى أحد تلك الشروط لم تجب الزكاة ولم يكن مَن خلا منه أحد هذه الشروط من أهلها، وتفصيلها على النحو التالي:
للزكاة عدة مصارف يتمُّ توزيع الزكاة عليها، وقد ورد بيانها في كتاب الله في أكثر من آية، أما تفصيلها فكما يلي:
موسوعة موضوع