معن بن عدي وأبو عقيل بن ثعلبة رضى الله عنهما

الكاتب: المدير -
معن بن عدي وأبو عقيل بن ثعلبة  رضى الله عنهما
"إن شانئك - يا رسول الله - هو الأبتر بانهيار الدولة الإسلامية المركزية، عجز المسلمون عن قيادة المرحلة التالية لها، بروح مبادرة الجيل الأول، ومع مرور الأيام اشتد التآمر على الإسلام والمسلمين، وخَفَتَ وَهجُ الإيمان في الضمير الإسلامي للأجيال التالية؛ فبادتْ حضارتهم، وأصبحوا أثرًا بعد عين، حتى إن الكثير من كتَّاب التاريخ والمستشرقين في الغرب، كان يجافي حقائق التاريخ، ولا يكاد يمر على ذكر الصور المشرِقة من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، إلا مرور الكرام، ولا يتعاطى مع إنجازاتها الثرة، وإشراقاتها البهية على البشرية بشكل منصف، في محاولة مقصودة لطمس التاريخ والدور معًا.   ومع ظهور المرحلة الاستعمارية الحديثة، اشتد التآمر الغربي على العرب والمسلمين بشكل لافت للنظر؛ فحصل الاستعمار العسكري المباشر لأقاليم الوطن العربي والإسلامي، وتم نهب الآثار والمخطوطات والمراجع العلمية، في عملية سطو بربرية؛ إيغالاً في الإيذاء والامتهان والطمس.   وكما يبدو من سلوك المستعمر، فقد كانت مقاييس المدنية الغربية المعاصرة مبنيةً على البراغماتية، وازدواجية المعايير، وتغليب مصلحة المستعمر، ومجافاة مقاييس الرأفة، بعكس ما اتسمت به الحضارة الإسلامية من مقاييسِ العدل والإنصاف؛ حيث قامت على القسط، ورفض الظلم والتهميش: ? وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ? [المائدة: 8]؛ فكانت المدنية الغربية -في صورتها الراهنة- مدنيةَ قهرٍ، قائمة على القوة الغاشمة، والتفوق العلمي، والتكنولوجي، والاقتصادي، والعسكري، والرفاهية المادية؛ فتبرمت في صورة هيمنة مطلقة، تجلت بقطبية أحادية، متعالية ومنفلتة، بادعاء تحقيق قيم الإصلاح، والديمقراطية، وحقوق الإنسان والتحديث زيفًا.   ويأتي عرض الفيلم الأمريكي الأخير المسيء إلى الرسول الكريم محمدٍ -صلي الله عليه وسلم- في إطار تلك النظرة المستعلية، والسلوك المتغطرس، والنهج العدواني؛ استمرارًا لمسلسل الإساءات السابقة، من قِبَل فئات ضالة في الغرب الأوربي والأمريكي معًا، وهو أمر غير مقبول أخلاقيًّا ودينيًّا وحضاريًّا بتاتًا، ويمثل خروجًا مقزّزًا على حرية الرأي والتعبير، وتعديًا صارخًا على أقدس مقدَّسات المسلمين الدينية.   فلا جرم أن الحقيقة المحمدية للذات الشخصية للرسول الكريم -صلي الله عليه وسلم- تأخذ معنى الرمزية الاعتقادية المطلقة عند المسلمين؛ باعتباره النموذج النبوي للإنسانية، للتأسي به في تكامل الفضائل المطلقة، والقيم النبيلة: ? لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ? [الأحزاب: 21]؛ فكان بتلك المناقب المثالية العالية وعاءً للفضيلة: ? وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ? [القلم: 4]؛ حيث تجسد فيض خلقه الرفيع على الإنسانية والعوالم الأخرى بالرحمة التي أضفاها عليه رب العالمين بقوله: ? وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ? [الأنبياء: 107].   ولا جرم أن الرسول -صلي الله عليه وسلم- بهذا المعيار الإلهي كان رسولَ رب العالمين إلى العالمين جميعًا، وعليه؛ فرحمته العامة، ورأفته الرساليَّة بالعالمين، والتي تجسَّدت في السلوك النبوي الفاضل في كل مجالات الحياة، يجب أن تقابل بالحب من جميع الناس، لا بالتنكر له، والإساءة إليه، التي تكفَّل الله -تعالى- بردِّها عنه من أي شانئ إلى يوم الدين، على قاعدة: ? إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ? [الكوثر: 3]؛ فبقي في ظل هذه العناية الربانية، طيب الذكر على الدوام، بمقتضى الإرادة الإلهية، التي أصَّلت لهذه الرفعة الأزلية، على قاعدة: ? وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ? [الشرح: 4].   وإذا كان المطلوب الآن من الجمهور العربي والمسلم، أن يكونوا يدًا واحدة في مواجهة تلك المحاولات الدنيئة، التي تسعى لتأجيج الصراع بالفتنة بين الناس، وأن يعملوا على وأدها؛ حتى مع تحقق القناعة لديهم بأن مكافحة هذه الظواهر السلبية، إنما تكون عن طريق تعزيز الحوار فيما بين الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم المتبادل، والعمل المشترَك من أجل مواجهة العنصرية، ونبذ التطرف؛ تمشيًا مع مبادئ الإسلام الحنيف، فإن عليهم أن يَنْفِروا على عجل لنصرة رسولهم الكريم -صلي الله عليه وسلم- ورد الاعتبار لذاتهم، ودينهم وأمتهم، وأن يستنفروا كل عناصر القوة الكامنة في الأمة، اقتصاديًّا وبشريًّا، وزجها في إستراتيجية معاكسة لإستراتيجية التعالي والازدراء والإساءة إلى رموزهم، والمس بمقدساتهم، والسعي الجاد لإعادة صياغة الحال المنهك، على نحو يفضي إلى توحيد أقاليم الأمة، والاقتراب المتجسِّد بها من التاريخ، ويعمل على امتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا والتصنيع بقوة، بما يسَّره الله لهم من إمكانات، من أجل النهوض بالحال المزري؛ لكي يتخطوا -باقتدار- مستنقع الوهن الراهن، ويعيدوا لأنفسهم الاعتبار، ويعاودوا دورهم المسؤول على الساحة الإنسانية، في مسعى جاد، يمنع استهانة الغير بهم، وينقذ البشريةَ المعذَّبة من شر طواغيت العصر، فيكونوا عندئذٍ كما أرادهم الله؛ خير أمة أُخرجت للناس على الدوام.   وحتى يتحقق ذلك الحال المستهدف، ولكي لا يتكرر سيناريو هذا العمل الوضيع مرة أخرى؛ فإن المطلوب من أبناء الأمة العربية والإسلامية، وكل الناس الخيرين في الإنسانية، من المفكرين والكتَّاب، والعلماء، ورجال الإعلام - العمل الجاد؛ من أجل منع هذه الإساءة، وفضح القائمين عليها، والعمل على إحالتهم للمحاكمة، بتهمة الإساءة للشرائع السماوية، التي ينبغي أن تبقى موضع اعتزاز إنساني من الجميع، باعتبار أن تبجيل الأديان واحترامها، هو حالة حضارية راقية، بالإضافة إلى كونها لازمة عقدية. "
شارك المقالة:
16 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook