اصطفى اللهُ تعالى مِنَّ البَشَرِ من هم أهلٌ لتبليغِ رسالتهِ للنّاس، وَبَعثهم رُسلاً وأنبياءَ في أقوامهم، قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} وفَضَّلَهم الله تعالى على سائِرِ عبادهِ، فهم أفضلُ خلقِ الله؛ وذلك لأنَّهم كانوا معصومينَ من قبلِ أن تأتيهم النبوة، وكانوا أفضل الناسِ في أقوامهم، والنبوةُ اختيارٌ من الله تعالى، ولم يكن لِغيرهم، فقد فَضَّلهم من قبلِ النبوة بالعصمة، ثُمَّ زادهم تشريفًا بالنبوة،والأنبياء والرسل يبعَثونَ لمقصدٍ واحدٍ وهو تبليغُ رسالةِ الله، وهناكَ فرقٌ بينَهم، فالنبيُّ يبعثُ لتأكيدِ شريعةٍ قد أبلغها رسولٌ قبله، ولا يتنزلُ عليه كتابٌ سماويٌّ، أمّا الرسول فيأتي بشريعةٍ جديدةٍ، وكتابٍ سماويّ، وأيَّدَهم الله بمعجزاتٍ، وما سيأتي تفصيلهُ، هي معجزات سيدنا داوود عليه السلام.
وأمّا نبي الله داوود -عليه السلام-، فهو داود بن ايشا بن عويد، بن عابر بن سلمون، بن نحشون بن عويناذب، بن ارم بن حصرون بن فارص بن يهوذا، بن يعقوب بن إسحاق، بن إبراهيم خليل الله، بُعثَ في بني إسرائيل، وأيده الله بكتابٍ سماويًّ وهو الزبور، وقد جمعَ بين النبوةِ والمُلك، فبعدما قَتلَ داوود جالوت، في المعركةِ التي كان فيها -عليه السلام- جنديًا في صفوف الملكِ طالوت، أصبحَ ملكاً على بني إسرائيل، قال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} وكان يعملُ داوود -عليه السلام- في صناعة الدروع، وبيعها، فقد أعانهُ الله -سبحانه وتعالى- على ذلك بأن سخرَ لهُ الحديد، وألانهُ بين يديه، وقد أثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على سيدنا داوود بأنه كان يأكل من كَسبِ يديه، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : "ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ"، وقد تكرر ذكره في القرآن في عدة مواضع، ووصفه الله تعالى بعدة صفات، وقد ذُّكِرَ في القرآن الكريم معجزات سيدنا داوود عليه السلام، وما وهبه الله إياه من صفاتٍ لم تؤتى لأحدٍ غيره.
كَرَّم الله -سبحانه وتعالى- الإنسان على سائرِ خلقهِ، ومَيزَّهُ عن باقي الكائنات بنعمةِ العقل، وجَّعلَ العقل مناط التكليف، وقامَت الدعوة إلى الهدايةِ منذ نشأتها بخطابِ العقلِ ومحاكاتهِ، ولأنَّ الإنسان بحاجةٍ للهدايةِ والدليل، فقد أرسل الله -سبحانه وتعالى- الرُّسلَ والأنبياء، لدعوةِ النّاس وإقناعهم بالشريعةِ التي ارتضاها الله -سبحانه وتعالى- لهم، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ولتأكيد صدقهم للنّاس، وأنهم مبعوثين من عند الله تعالى، فقد أيدَّهم بما لم تألفه أعين النّاس، فالمعجزةُ أمرٌ خارقٌ للعادة لم تعتادهُ الناس، ولا يستطيعونَ الإتيان بمثله، وهي أمرٌ من الله -سبحانه وتعالى- يؤيد به أنبيائه، والمعجزةُ التي يأتي بها النبيُّ أو الرسول من جنسِ ما اشتهر به قومه، كمعجزةِ موسى -عليه السلام- وهي العصا التي تحولت لثعبان، فيما كانوا قومه يتنافسون بمهاراتهم في السحر والشعوذة، وأيضًا معجزةُ النبي -صلى الله عليه وسلم- الخالدة التي بُعثَ بها إلى قريش وهي القرآن الكريم في قومٍ اشتهروا بالفصاحةِ والبلاغةِ، وغَيرِّهم من الأنبياء والرسل -عليهم السلام-، ومنهم من تعددت معجزاتهُ، ومن ذلك معجزات سيدنا داوود عليه السلام.
أيّدَ الله -سبحانه وتعالى- أنبيائه بالدلائل والمعجزات، ليقيموا الحُجةَ على الناس، وقد جاء ذكرُ معجزات الأنبياء والرُّسل، في القرآن الكريم، ومن الأنبياء الذين جاؤوا بالمعجزات لأقوامهم هو نبي الله داوود -عليه السلام- فقد أيده الله بمعجزاتٍ لم يؤتها لأحدٍ غيره ومن معجزات سيدنا داوود عليه السلام:
موقع موضوع