يُعتبر الإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان التي يكتمل بها إيمان المسلم، ويتمثل في إيمان المسلم بأن الله سبحانه قدّر شؤون الخلائق، وعلم بها، وتحققت مشيئته بسببها، فكانت خلقاً وحقيقةً تنظر إليها الأعين، وللقدر أربعة مراتب سنشرحها في هذا المقال بالتفصيل.
يعلم الله تعالى منذ الأزل ما سيكون، ويُعد هذا العلم دائماً، فلو تأخر للحظة للزم منه اتصاف الله بالجهل، وهو مُنزه عن ذلك، ولا يلزم من هذا إجبار الشخص على فعل أمر ما، ويُمثل بعض العلماء على ذلك بمُدرس يعرف أحوال طلابه فيعلم من الذي سينجح من غيره، ولا يعني ذلك إجباره للطالب الناجح أو الآخر، وهذا مثال للتقريب.
يقصد بمرتبة الكتابة بأن الله كتب ما علمه في الأزل قبل أن يخلق السماوات، والأرض بخمسين ألف سنة، وذلك أيضاً لا يعني إجبار العبد.
تُبين مرتبة المشيئة بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والمقصود هنا المشيئة الكونية لا الشرعية، فالمراد من هذه المرتبة أن كل ما يقع مع الخلق هو بمشيئة الله، فليس هناك أمر يُعجزه، فلو لم يُرد للسارق أن يسرق لما سرق، ولكنه شاء ذلك لحكمة ما لا يعلمها غيره، فهو من شاء بأن يخرج إبليس عن طاعته، ويُضل الخلق في طريقهم إليه ليختبر عباده به، وليُعاقب إبليس بذنبه، وبذلك فكل ما وقع من العباد فهو تحت مشيئة الله، ونفي هذه المرتبة يستلزم إثبات العجز على الله، وأنه يقع في ملكه ما لا يشاء.
إثبات مرتبة المشيئة فيدل على أن ما يقع من المعاصي، والطاعات يقع بمشيئة الله الكوني لحكمة يعلمها هو، ونذكر مثال لتقريب المقصود: تخيل بأن الشرطة تُراقب بائعاً للمخدرات، فهي تدعه يصنع ما يشاء إلى أن يقبضوا عليه مُتلبساً ببيعها، فهم لا يحبون فعله، ومع ذلك كانوا يتركونه يصنع ما يشاء تحت ناظرهم، وما فعل ذلك إلا بعد مشيئتهم، ولكنهم تركوه لحكمة، وهي أن يأخذوه بجرمه.
تُبين مرتبة الخلق بأن فعل العبد مخلوق لله تعالى، حيث إنّ الموجودات بين خالق ومخلوق ولا ثالث لهما، فالأفعال إما مخلوقة لله، وهذا هو الحق والصواب، وسار عليه الأشاعرة على تفصيل عندهم، وإما مخلوقة للعبد وهذا مذهب الاعتزال، وإما هي خالقة لا مخلوقة، وهذا أمر مُمتنع، لأنها كانت بعد أن لم تكن، ووُجدت بعد عدم، وما كان عدماً لا يمكن أن يوجد نفسه.
موسوعة موضوع