"أخلاق الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - دنا عمرُه - صلى الله عليه وآله وسلم - من الأربعين، وقومه الذين عرفوه حدثًا وعرفوه شابًا، كانوا يقرؤون في صحائف سنية الوديعة، خلقًا كريمًا لم يعهدوه في الكهول ليروه في الشباب، وكانوا يدعونه بالأمين والمأمون، ويودعون لديه كل غال وعزيز، طفولة بريئة وشباب نـزيه يكفي في مدحهما أنهما لم يخالطهما شيء من أباطيل الجاهلية وترهاتها. وبينما كانت الكتب المقدسة تتحدث عن بعثة نبي كاد يطل حينئذ على العالم المضطرب، كان سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يعبد الله وحده وينبذ ما كان عليه قومه، وهو على يقين أنهم لفي ضلال مبين. يمضي الناس إلى ما يمضون إليه ويهفو الشباب إلى لهوهم وقصفهم. ويناجي عليه السلام الكون أرضه وسماءه ويقرأ فيهما ما سطرته يد الخالق المبدع الذي أحسن كل شيء خلقه. آن للحق أن يتجلى برسالته - عليه الصلاة والسلام -، وكان من بعد ما كان من أمر الإسلام، وأخلاقه في كل حين دالة على ذاته المقدسة التي فطرها الله على أعلى الصفات النفسية، وأدبها بأحلى الأخلاق البهية، ملازمة لحياة فريدة جليلة، مستفيضة الخير إصلاحًا وكمالًا، مزدانة الأنحاء بهاءً وجمالًا، تجد أي عقد كان من عقودها التمستَه صحائف حكمة، وديوان فضيلة، وتلقى أي ناحية اصطفيتها، قبلة الاقتداء، ومحط الرجاء. فكأن هذه الحياة العالية الطاهرة، خلقت على ما ترجوه الفضيلة، وينشده الخلق الجميل، لا بل كانت كما شاء المبدع الوهاب، فأضحت للماضي والآتي المعجزة الخالدة، وبقى صاحبها عليه السلام بلا منازع الأسوة الحسنة العظمى للصغير والكبير، والعابد والزاهد، والزوج والوالد، والصديق والقائد، والأديب والمرشد، والمسالم والمعادي، والمشرع والقاضي، والمصلح والسياسي، والحاكم والإداري، ولكل من ينشد الكمال في حياته مع نفسه ومع إخوانه في الحياة الاجتماعية. ولنذكر بإيجاز مجملًا لأخلاقه الشريفة ملخصة من كتب السير والشمائل: كان - صلى الله عليه وسلم - وآله زاهدًا في الدنيا، متقللًا منها حتى في الرخاء واليسر، غير زاهد في معرفة أسرارها والاتصال بحقائقها، معرضًا عن مظاهر العظمة حتى في الفوز والنصر، كثير العبادة، دائم الخشية، عفيفًا، نظيفًا، صادقًا، أمينًا، شجاعًا، مقدامًا، حازمًا، كريمًا، سمحًا، عادلًا، ثابتًا في الشدائد، حريصًا على الوقت، يغضب الله لا لنفسه، دائم البشر، كثير الابتسام، - ما لم ينـزل عليه القرآن أو يعظ أو يخطب – واسع الصدر، لين العريكة، حافظًا للعهد، موفيًا بالعهد، جميل الصمت، صادق اللهجة، حلو الحديث، واضح الجواب، محفوظ اللسان، حكيم الكلام، يعرض عن الباطل ولو أجمع الناس عليه، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه، إذا تكلم جلساؤه بشؤون الآخرة تكلم معهم، وإذا خاضوا بأمور الدنيا خاض معهم، أنيس العشرة مع أهله ومع الناس، يجلس حيث ينتهي به المجلس، لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه، من جالسه أو فاوضه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنها، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، يقبل الهدية ويكافئ عليها، ويتلطف بخواطر أصحابه، ويتفقد من انقطع منهم عن مجلسه، ويقبل عذر المعتذر، ويجالس الفقير، ويجيب دعوة العبد، غير مداح ولا عياب ولا صخاب، يحذر الناس ويحترس منهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، يبدأ من لقيه بالسلام ويبدأ أصحابه بالمصافحة، ويدعوهم بالكنى وأحب أسمائهم إليهم، ويكني من ليس له كنية، ويسلم على الصبيان، ويباسطهم ويعود المرضى ولو في أقصى المدينة، ويخفف عن البائسين، ويشيع الجنائز، ولا يمضي له يوم إلا سطر له التاريخ فيه صحائف عمل مبرور بمداد من نور. وصفوة القول كان خلقه القرآن وأجدر بمن كان هذا خلقه أن يبعثه الله سبحانه ليتمم مكار الأخلاق[1]. المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الأولى، العدد الأول، 1354هـ [1] قال عنه - صلى الله عليه وآله - برنارد شو: الكاتب والفيلسوف الانكليزي:(وإني لأعتقد بأنه لو تولى رجل مثله دكتاتورية العالم لنجح في حل مشكلاته بطريقة تجلب إلى العالم السلام والسعادة اللذين هو في أشد الحاجة إليهما). "
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.