كيفية أداء العمرة(2).
مواقيت العمرة:
المواقيت المكانية
وهي الأماكن التي لا يجوز لمن أراد الحج أو العُمرة تجاوزها إلّا وهو مُحرم، وهي خمسةٌ قد حدّدها النبي بقول عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: (وَقَّتَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قَرْنًا لأهْلِ نَجْدٍ، والجُحْفَةَ لأهْلِ الشَّأْمِ، وذا الحُلَيْفَةِ لأهْلِ المَدِينَةِ، قالَ: سَمِعْتُ هذا مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبَلَغَنِي أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ولِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمُ)، وورد أنّ النبي وقّت لأهل العراق ذات عِرْق، وهذه الأسماء كانت على زمن النبي وقد تغيّرت إلى أسماءٍ أخرى؛ فذو الحُليفة يُسمّى الآن أبيار علي، وقرن المنازل يُسمّى السيل، ويَلَمْلَمْ يسمى السعدية، وذات عِرْق يسمى الضريبة، وما لم يذكره النبي من البلاد يكون ميقات أهلها الميقات الذي يمرّوا به في طريقهم أو ما يحاذيه*.
المواقيت الزمانية
تختلف العمرة عن الحج في المواقيت الزمانية؛ فالحج لا يجوز الإتيان به إلّا في أوقاتٍ مُحدّدةٍ، أمّا العُمرة فيجوز أداؤها في جميع أيام السنة، ويُستثنى من ذلك الحاجّ في أيام التشريق إذ لا يجوز له الإحرام بالعمرة، أمّا الأوقات التي حثّت الشريعة على أداء العُمرة فيها فهي: أشهر الحج، والأشهر الحُرم، وشهر رمضان، فهذه الأوقات وردت الأدلة على مُضاعفة الأجور فيها، ويجوز تكرارها في السنة الواحدة أكثر من مرةٍ.
الطواف
يُعرّف الطواف بأنّه الدوران حول الكعبة، وقد بيّن العُلماء الشروط والسنن المتعلّقة به، وهي:
-
شروط الطواف: أن يكون بسبعة أشواطٍ، فإن كان أقل من ذلك فلا يصحّ وتجب الإعادة، وأن تكون الكعبة إلى اليسار، وأن يُبدأ الشوط من الحجر الأسود وينتهي عنده، وأن يكون داخل المسجد وخارج الكعبة*، وتعدّ النية شرطٌ لصحة العبادات، فلو قصد المعتمر بنيته غير الطواف لم يصحّ، ويشترط عليه ستر العورة، والطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، وطهارة المكان والثوب.
-
سُنن الطواف: استقبال الحجر الأسود في بداية الطواف وتقبيله بقدر الاستطاعة، وقول: "بسم الله والله أكبر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك مُحمد"، ويُسنّ استلام الركن اليماني دون تقبيله، والإسراع في الأشواط الثلاثة الأولى وهو ما يُسمى بالرَمَل، كما يسنّ على الرجل الاضطباع*، ويُسنّ في الطواف الدعاء بما شاء العبد من الأدعية، ويسنّ له بعد الانتهاء من الطواف أن يُصلي ركعتين خلف مقام النبي إبراهيم -عليه السلام-، فإن لم يستطع جاز له الصلاة في أي مكانٍ في المسجد، يقرأ فيهما بسورة الكافرون بالركعة الأولى وسورة الإخلاص بالثانية بعد قراءة الفاتحة.
السعي بين الصفا والمروة
وهو الإسراع في المشي بين الصفا والمروة سبعة أشواطٍ، وهو ركنٌ من أركان العمرة، ويدل عليه قوله -تعالى-: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)، ويبدأ الشوط من الصفا وينتهي بالمروة، ويكون بالمشي العادي، ويُسنّ للرجل الإسراع بين العلمين الأخضرين، ويدعو بما شاء من الأدعية، ويُسنّ للرجل الصعود على الصفا والمروة بقدر رؤية الكعبة، أمّا المرأة فلا يُسن لها ذلك، ويُشترط أن يكون السعي بعد طوافٍ صحيحٍ.
الحلق أو التقصير
وهو حلق شعر الرأس أو الأخذ من طوله، والحلق أفضل من التقصير؛ لقول النبي: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ قالَ: وَلِلْمُقَصِّرِينَ)، وورد عن بعض الفُقهاء جواز الاكتفاء بالشعر الخارج عن حدّ الرأس، واختلف الفقهاء في الحدّ المجزئ في الحلق أو التقصير، وذهبوا في ذلك إلى عدة أقوالٍ بيانها فيما يأتي:
-
الرأي الأول: ذهب كلٌّ من المالكية والحنابلة إلى القول بوجوب حلق أو تقصير جميع شعر الرأس، ولا يصحّ الاقتصار على بعضه.
-
الرأي الثاني: ذهب الحنفية إلى لزوم حلق أو تقصير ربع الرأس أو أكثر، أمّا الأقلّ من ذلك فلا يجزئ.
-
الرأي الثالث: قال الشافعية بأنّ الحلق أو التقصير يتحقّق بثلاث شعراتٍ وأكثر.
أذكار وأدعية العمرة:
وردت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عدّة أدعيةٍ مأثورةٍ متعلّقةٍ بالعمرة وخاصةً بالطواف والسعي، ويجوز للمعتمر أن يدعو بما شاء من الأدعية، يُذكر منها:
-
أدعية الطواف: وهي:
-
دعاء بدء الطواف: "بِسمِ اللَّهِ واللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُمَّ إيمَاناً بِكَ وَتَصدِيقاً بِكِتابِكَ، وَوَفاءً بِعَهْدِكَ وَاتِّباعاً لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ".
-
دعاء المرور بِجانب الحجر الأسود في الأشواط الثلاثة الأولى: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجاً مبروراً وذنْباً مَغْفُوراً، وَسَعْياً مَشْكُوراً"، وأمّا الأشواط الأربعة الباقية فيقول فيها: "اللَّهُمَّ اغْفِر وَارْحَمْ، وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمْ وَأنْتَ الأعَزُّ الأكْرَم، اللَّهُمَّ رَبَّنا آتنا في الدُّنْيا حسنة وفي الآخرة حسنة وَقِنا عَذَابَ النَّارِ".
-
ما يُقال بين الكعبة والحجر الأسود، وهو ما يُسمى بالمُلتزم: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَمْداً يُوَافِي نعمك، ويكافئ مَزِيدَكَ، أحْمَدُكَ بِجَمِيعِ مَحَامِدِكَ ما عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ على جَمِيعِ نِعَمِكَ ما عَلِمْتُ مِنْها وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَعَلى كُلّ حالٍ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ على مُحَمََّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ أعِذنِي مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ، وأَعِذْني مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَقَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَكْرَمِ وَفْدِكَ عَلَيْكَ، وألْزِمْنِي سَبِيلَ الاسْتِقَامَةِ حتَّى ألْقاكَ يا رب العالمين".
-
أدعية السعي: ما يُقال حين البدء بالسعي: "الله أكبر ثلاثاً، ثُم ولِلَّهِ الحَمْدُ، اللَّهُ أكْبَرُ على ما هَدَانا، والحَمْدُ لله على ما أولانا، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِي ويُمِيتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ، وَهُوَ على كل شئ قَدِيرٌ،لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، أنجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُون، اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ: ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ، وَإِنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعادَ، وإنِّي أسألُكَ كما هَدَيْتِني لِلإِسْلامِ أنْ لا تَنْزِعَهُ مِنِّي حتَّى تَتَوَفَّاني وأنَا مُسْلِمٌ".
حكم العمرة:
اختلف الفُقهاء في حُكم العُمرة، وذهبوا في ذلك إلى قولين بيانهما فيما يأتي:
-
القول الأول: ذهب الشافعية والحنابلة إلى القول بوجوب العمرة على الفور لمن توافرت فيه شروط المُعتمر من الإسلام والحُرية والتكليف والقُدرة، واستدلّوا بمجموعةٍ من الأدلة، منها: قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّه)، وقول النبي لعائشة حين سألته عن جهاد المرأة: (نعم عليهن جهادٌ لا قتالَ فيه: الحجُّ والعُمرةُ).
-
القول الثاني: ذهب المالكية إلى ندب العمرة، أمّا الحنفية فقالوا بسُنيّتها، واستدلوا بحديث طلحة المرسل عن النبي -عليه السلام- أنّه قال: (الحجُّ جهادٌ والعمرةُ تطوعٌ).
شروط العمرة:
لا بدّ من توافر عدّة شروطٍ فيمن يرغب بأداء العمرة، وبيان تلك الشروط فيما يأتي:
-
الإسلام؛ لقوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّمَا المُشرِكونَ نَجَسٌ فَلا يَقرَبُوا المَسجِدَ الحَرامَ بَعدَ عامِهِم هـذا).
-
الحرية؛ فلا تجب على المملوك.
-
العقل؛ فلا تجب على المجنون قياساً على سائر العبادات.
-
البلوغ؛ فلا تجب على الصبي حتى يبلُغ.
-
الاستطاعة والقدرة؛ لقوله تعالى: (وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، وقد ذهب بعض أهل التفسير إلى القول بأنّ المقصود من الاستطاعة أن يملك المعتمر الطعام والوسيلة التي تنقله للعُمرة؛ لقول النبي للرجل الذي سأله عمّا يوجب عليه الحج: (الزَّادُ والرَّاحلةُ)، وشرط الراحلة خاصٌّ بالمُعتمر البعيد دون القريب.
-
وجود المَحرم بالنسبة للمرأة؛ فلا يجوز للمرأة أن تُسافر إلّا مع زوجٍ أو مَحرمٍ؛ لقول النبي: (لا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إلَّا وَمعهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ منها)، وذلك في السفر بشكلٍ عامٍ، أمّا السفر لأداء الحج أو العمرة فقد اختلف الفُقهاء في حكمه، وبيان خلافهم فيما يأتي:
-
رأي الحنفية: المَحرم شرطٌ من شروط الأداء، ولا فرق في ذلك بين المرأة الكبيرة والصغيرة إذا كانت المسافة ثلاثة أيامٍ فأكثرٍ، والمَحرَم هو كُلّ من لا يحلّ له الزواج بالمرأة، بشرط أن يكون مأموناً بالغاً عاقلاً.
-
رأي المالكية: ذهبوا إلى جواز سفر المرأة للنُّسك دون مَحرمٍ بشرط خروج المرأة مع رفقةٍ مأمونةٍ.
-
رأي الحنابلة: لا يجوز للمرأة أداء النُّسك إلّا مع مَحرمٍ من محارمها؛ كالزوج أو الأخ وغيرهم.
-
رأي الشافعية: ذهبوا إلى التفريق بين عمرة الفرض* وعمرة النافلة*؛ فيجوز للمرأة في عمرة الفرض أن تخرج وحدها دون مَحرمٍ في حال الأمن، وأمّا في عمرة النفل فلا تخرُج إلّا مع وجود مَحرمٍ وإن كانت هناك مجموعة نساء تثق بهنّ.
فضل العمرة في رمضان:
إن للعمرة في رمضان ميّزةً عن غيره؛ إذ إنّها تعدل حِجّة، وورد في بعض الروايات أنّها تعدل حجّة مع النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وذلك ما ورد من قول النبي لامرأةٍ بيّنت له عدم قدرتها على الحج، فقال لها: (فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فإنَّ عُمْرَةً فيه تَعْدِلُ حَجَّةً)، وذلك بمعنى أنّ العمرة في رمضان والحجّ سواء في الثواب والأجر ويختلفان من حيث جنس العمل؛ ففي الحج مناسك وميزات وفضائل لا توجد في العمرة