أولاً: قال الله تعالى: “فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ” هود:116. وقال أيضاً: “وما أكثرُ النّاسِ ولو حرصت بمؤمنين” يوسف:103.
– إنّ الأحاديث التالية تُشير إلى عودة الغربةِ إلى الإسلام وتعاليمه وأهله المخلصين القائمين كما كان غريباً عند بدايته، وهذه الغربة يشهد لها واقعنا المعاصر بشكل جلي واضح لا يختلف فيه مخلصان، وطبعاً هذه الغربة نتيجة لازمة لغيابِ معالم الدين الحقيقة عند السواد الأعظم من المسلمين إما بسبب انتشار كثير من أفكار الفرق الضالة بين الناس، أو نتيجة لتتبع السواد الأعظم من الناس لسنن اليهود والنصارى، فتبقى صورة الدين بين الناس، أما حقيقته فلا تبقى إلا في القلة القليلة منهم، وهؤلاء يكونون غرباء في فهمهم وتصوراتهم وعاداتهم وتوجهاتهم، أي هم قلة من أهل سنة النبي عليه الصلاة والسلام في ظل مجتمعات انتشرت فيها البدع والأهواء.
– ومن أجل أن يتضح لنا المراد بالغربة هنا فلا بدّ من بيان المراد بالغربة الأولى، فالمَعلوم أن مشركي العرب بكفرهم وضلالاتهم وظلمهم وكانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام، واليهود والنصارى بانحرافاتِهم وزيغِهم عن الحق وتبديلهم لدين الله رأساً على عقب يزعمون أنهم على ملة موسى وعيسى عليه السلام، وفي هذه الأوضاع بدأت رسالة الإسلام وجاء النبي محمد عليه الصلاة للعرب بملة إبراهيم الحنيفية الحقة، مصلحاً ما أفسدوا منها، وجاء لليهود والنصارى بمعالم الدين الحق متمماً ما جاء به موسى وعيسى عليها السلام ومبيناً ما غير أتباعهم وبدلوا فيه، فكانت هذه التعاليم غريبة على من حوله، وانتفضت جزيرة العرب منكرةً لهذا الدين وأتباعه، ومستهجنةٍ منهم ما يدعون إليه، وكان أتباعُ النبي عليه الصلاة والسلام هم القلة ومُفرقونَ بين القبائل، وبذلك بدأت غربتهم بالنسبة لمن حولهم.