"الرباني والإنساني في أحداث الهجرة النبوية ومدى تأسينا بالرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك أ- تدبير النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة (الإنساني): 1- في بيعة العقبة الثانية (أي منذ شهرين ونصف) كان صلى الله عليه وسلم قد اتفق مع الأنصار على أن يحموه إذا جاء إليهم في المدينة. 2- تهيئة الصدِّيق لراحلتين (ناقتين) استعدادًا للهجرة. 3- إخبار النبي صلى الله عليه وسلم الصديق بقرار قريش (يوم 26 صفر) بتدبير قتله صلى الله عليه وسلم وأمر الله تعالى له بالهجرة ليلًا. 4- تركه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينام مكانه. 5- خروجه من نافذة في ظهر بيت الصديق بعد أن دخله من الباب تفاديًا لملاحَقة المشركين له. 6- اختياره المُكثَ في غار حراء الذي يبعُد عن مكة بـ 8 كم. 7- تأمين أمر الغذاء بمساعدة أسماء بنت الصدِّيق رضي الله عنهما. 8- تأمين الأخبار بمساعدة عبد الله بن الصدِّيق رضي الله عنهما. 9- تأمين الغار بمحو آثار عبد الله الصديق بمرور عامر بن فهيرة (راعي غنم الصدِّيق) بغنمه بباب الغار. 10- استئجار رجل مشرك (عبد الله بن أُرَيقط)؛ ليدلهما على طريقٍ غيرِ معروفة لعامة الناس. 11- طلبهم للطعام في الطريق وبالأجر كما فعلوا مع أمِّ معبد. ب- تدبير الله تعالى في الهجرة (الرباني): 1- إعلام الله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم بقرار قريش بتدبير قتله. 2- إلقاء الله تعالى النوم على الشبان الذين يترصدون النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، وخروجه أمامهم دون أن يتفطَّنوا له. 3- عدم تمكُّن المشركين من النظر في الغار، وقد وصلوا إليه، (ولَم تثبت قصة الحَمَام والعنكبوت). 4- تعثُّر فرس سراقة بن مالك وسقوطه عنها مرارًا. 5- تفجر ضرع الشاة العجفاء لأمِّ معبد باللبن الكثير. الذي يبدو بجلاء أن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تدبيرًا بشريًّا بامتياز، استعمل فيها النبي صلى الله عليه وسلم كلَّ ما يمكن أن يتخذ من تدابير واحتياطات وخطط مع صاحبه لكل شيء، حتى الاستخبار عن تحرُّكات قريش، وماذا تُدبِّر، هو ههنا صلى الله عليه إنسان يتعامل مع الأسباب، ويستعمل منها ما يحقِّق الهدف، وهو الوصول إلى المدينة بأقلِّ التكاليف. ولكنه مع هذا كان دائمَ الذِّكر لله تعالى، متعلِّق القلب به سبحانه، يدعوه ويرجوه متوكِّلًا عليه لا على الأسباب، فقد قال لصاحبه - وقد خاف أن ينظر أحدُ المشركين تحت قدميه فيراهما - في الغار: ((ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟))، قال تعالى: ? إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ? [التوبة: 40]. والتدبير الإلهي الرباني في الهجرة ظاهرٌ كذلك، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقعد ويهمل الأسباب وينتظر أن ينقُله الله تعالى كما صنع معه في ليلة الإسراء؛ ليعلمنا بأن الأخذ بالأسباب سُنَّة كونيةٌ لا محاباة فيها، ولا فرق في ذلك بين مسلم وكافر؛ فمن مَلَك الأسبابَ غلب وأنجز، وتدخل العناية الإلهية لطفًا من الله تعالى بعبده حين لا تكفيه الأسبابُ، وليبقى اعتمادُ العبد على الله تعالى لا على الأسباب. فلا بدَّ من الأخذ بالأسباب في كل شيء، وعدم إلقاء المسؤولية أو التبعة على الأقدار، وبعد ذلك كلِّه وقبله وخلاله لا بد من التوكُّل على الله حقَّ التوكُّل؛ كأنه لا أسباب. ونحن اليوم للأسف كثير منا ما زال يتعامل مع الأحداث والمشكلات والمعارك والتحدِّيات بمنطق: نحن أصحاب الحقِّ وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أو كما كان يقول أهل الكتاب: ? نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ? [المائدة: 18]، وسننتصر دون أن نفعل ما هو في مستوى تلك التحدِّيات! فكيف ننتصر ونحن نقاتل عدوَّنا بسلاحٍ لا يكاد يعطَب فردًا، وعدونا يقاتلنا بسلاح يمحو مُدُنًا بأكملها من على وجه الأرض؟! "
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.