سياسة الحوار في صلح الحديبية

الكاتب: المدير -
سياسة الحوار في صلح الحديبية
"لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا قال الله تعالى: ? إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ? [الأنفال: 43، 44].   لقد كتب الله تعالى الغلبة لجنده الصابرين ولعباده المؤمنين، وتلك سنته تعالى؛ كما قال عز وجل: ? كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ? [المجادلة: 21]، وقال تعالى: ? وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ? [الصافات: 171 - 173].   وقد يأتي على الناس زمان يعلو فيه الباطل، ويتسلط فيه أهل الكفر على أهل الايمان، ويسود الظلم ويعم الظلام، ولكن مهما طال الليل واسود الظلام، فلا بد من طلوع الفجر، فالأيام يداولها الله تعالى بين الناس .. وكما أن أهل الباطل وأنصار الكفر يمكرون بالليل والنهار، ويبذلون جهدهم وأموالهم؛ ليثبتوا باطلهم، وينشروا كفرهم وفسقهم، فإن على أهل الايمان أن يبذلوا جهدهم، ويقدموا التضحيات لنصرة دينهم وإعلاء كلمة الحق .. لقد آن الأوان للحق أن يعلو وللباطل أن ينخفض ويذهب، ولكي يتم هذا القضاء الإلهي، فإن الله تعالى بقدرته وتدبيره أدار تلك المعركة، بل وضع كل فريق في المكان المقدر؛ ليتحقق النصر والغلبة للمؤمنين، وتتحقق الهزيمة والمهانة لأعداء الدين؛ قال تعالى: {إذ أنتم}، ولم يقل: (إذ كنتم)، فهو وصف حي لأحداث المعركة وتصوير حاضر لأرض القتال، كأن المعركة تدار الآن، وقد سمى الله تعالى هذا اليوم {يوم الفرقان}، كما سمى كتابه {الفرقان}، وكما أن القرآن يتلى فتتحرك به القلوب ويتجدد الإيمان، فإن المعجزات في هذه المعركة تظل حاضرة في القلوب ماثلة أمام العيون؛ لأن البيِّنة فيها واضحة جلية، فقد ظهر الحق وعلا يتلألأ، لا شبهة فيه ولا شك، وتهاوي الباطل متخاذلًا مندحرًا، وتلكم هي البينة:   لقد تدخل القدر؛ ليحدد لكل فئة موقعها في ساحة المعركة؛ قال تعالى: ? إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ? [الأنفال: 42]، والعدوة: الجانب أو المنزل، فقد أخذ المسلمون الجانب القريب من المدينة، وتَمركز المشركون في الجانب البعيد عن المدينة من ناحية مكة، وكان ركب أبي سفيان أسفل من ناحية البحر، وكان يمثل ظهرًا وإمدادًا للمشركين، لم يكن في حسابات المسلمين ساعة خروجهم للعير أنه سيكون قتالٌ، وقد خرج البعض منهم وهم في حال الكراهة، كما أن أهل مكة خرجوا من أجل العير، وقد نجت العير ولم يتعرض لها أحد!   ومن هنا فإن القضية في أول الأمر - لدى الفريقين - كانت هي قضية العير، خرج المسلمون للاستيلاء عليها، ولكنها أفلتت ولم يحدث الاستيلاء عليها، وخرج المشركون لإنقاذ العير، وقد أفلتت العير ونجت دون تدخل من أحد، وكان من الممكن أن تنتهي القضية عند هذا الحد، ويعود كل فريق إلى بيته، خصوصًا أنه لم يكن هناك سابق (ميعاد) ولا حساب لقتال، ولكن لكي ينفذ القضاء الإلهي، فقد ألقى الله تعالى الرغبة في قلوب كل من الفريقين في لقاء الآخر، وأغرى كل فئة بالأخرى؛ ليتحقق ويظهر في عالم الشهادة ما قضى الله تعالى به في عالم الغيب، وفي سابق حكمه وعلمه، لماذا؟ لأنه حتى قبيل هذه المعركة كان الأمر ملتبسًا على بعض الناس، وكأن البعض من أهل مكة يظنون أنهم على صواب، وقد توجهوا - أي: المشركون - إلى الله تعالى بالدعاء أن ينصر الفئة التي على الحق؛ ظنًّا منهم أنهم على الحق.   ولما تحقَّق النصر لأهل الإسلام بات الأمر واضحًا جليًّا، وتميزت المواقف ? لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ?، وهو تحقق النصر: ? لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ?؛ فمن مات مدافعًا عن الإسلام كان هو المدافع عن الحق، ومن مات مدافعًا عن الشرك كان هو المدافع عن الباطل، لا شك ولا لبس، كذلك فإن من أسلم فقد أسلم عن حجة ودلالة واضحة، ومن اختار الكفر فقد اختاره عن دلالة وبينة واضحة، ولهذا كان هذا اليوم هو يوم الفرقان، فلا عذر بعد ذلك ولا اشتباه في الأمور! "
شارك المقالة:
20 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook