ذا النون المصري

الكاتب: المدير -
ذا النون المصري
"? يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ? الله - سبحانه - كان يعلم أن قريشًا تحتاج إلى تأديب، ومن ثَمَّ جعل - سبحانه - موقعة بدر سببًا لحصول هذا التأديب لهم، وكانت بمثابة تثبيت لأركان الدولة الإسلامية، وبداية زعزعة دولة الشرك والمشركين بمكة؛ يقول - سبحانه -: ? يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ ? [الدخان: 16]؛ ففي هذه المعركة استأصل الله تعالى من المشركين أشدَّهم ضَراوة وشراسة في حرب الإسلام والمسلمين، فقتل فيها أرباب الكفر والكافرين، أمثال: أبي جهل وعتبة بن ربيعة وأُميَّة بن خلف... وغيرهم؛ فعن عائشة أنها قالت: لما أمر النبي يوم بدر بأولئك الرَّهْط فأُلقُوا في الطوى، عتبة وأبو جهل وأصحابه، وقف عليهم فقال: ((جزاكم الله شرًّا من قومِ نبيٍّ ما كان أسوأ الطَّرْدِ، وأشد التكذيب))، قالوا: يا رسول الله، كيف تُكلِّم قومًا جيَّفُوا، فقال: ((ما أنتم بأفْهَم لقولي منهم))، قال ابن إسحاق: وعبيدة بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس قتَله الزبير بن العوام، والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية قتَله علي بن أبي طالب، وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، أخو بني عمرو بن عوف، وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس، قتله حمزة بن عبدالمطلب، والوليد بن عتبة بن ربيعة، قتله علي بن أبي طالب؛ وعامر بن عبدالله، حليف لهم من بني أنمار بن بغيض، قتله علي بن أبي طالب...إلخ.   يقول الدكتور راغب السرجاني: كانت معركة بدر ضربة مُوجِعة مفاجئة لقريش، هزَّتها من الناحية النفسيَّة هزًّا عنيفًا، وأشعرتها أن المسلمين قوة غالبة، وأنهم مُؤيَّدون بقوة أخرى، يقول أبو سفيان - وقد سأله أبو لهب عما حصل في بدر -: والله ما هو إلا أن لقينا القوم، فمنحناهم أكتافنا، يقتلوننا كيف شاؤوا، ويأسِروننا، كيف شاؤوا، وايمُ الله مع ذلك ما لُمتُ الناس، لقينا رجالاً بيضًا على خيل بُلْق بين السماء والأرض، والله ما تُبقي شيئاً، ولا يقوم لها شيء، وهذا الكلام إقرار بأن المسلمين مُؤيَّدون بقوة غير عادية، ويدل على اهتزاز نفسية قريش نتيجة معركة بدر، لقد أذهلتْ نتائج بدر رجالات قريش، حتى الذين لم يَحضُروا المعركة، وأذلَّتهم، يدلُّ على ذلك أنه لما قَدِم الحيسمان بن عبدالله الخزاعي مكة يُخبِر أهلها، وجعل يعدِّد أشراف قريش الذين قُتِلوا، ذُهِل القوم، وشكُّوا في صدقه بل في عقله، فقال صفوان بن أمية بن خلف: والله إن يَعقِل هذا فسَلوه عني، فقالوا: ما فعل صفوان بن أمية؟ قال: هو ذاك جالسًا في الحِجْر، والله لقد رأيتُ أباه وأخاه حين قُتِلا.   ويستطرد قائلاً: وفي مقابل هذا الذهول الذي مُني به رجالات قريش جعل المسلمون المستضعفون في مكة يُعزُّون، وجعلت معنوياتهم ترتفع بما أفاء الله - سبحانه - على الدعوة وأهلها من النصر والتأييد، حتى سَمَت بهم مشاعرهم إلى الوقوف في وجه جبابرة قريش، ومواثبتهم، وما كانوا ليجرؤوا على هذا من قبل بدر؛ مما يدل على ما ذكرناه من ذِلَّة رجالات قريش، وعِزة المؤمنين المستضعفين ما يرويه أبو رافع مولى رسول الله من أنه كان غلامًا للعباس بن عبدالمطلب، وأنه كان رجلاً ضعيفًا يَنحِت الأقدار في حجرة زمزم، ولما أخبر أبو سفيان أبا لهب أنهم لقوا في المعركة رجالاً بيضًا على خيل بُلْق، قال أبو رافع: تلك والله الملائكة، فغضِب أبو لهب، وصفَعه صفعةً شديدة، فما كان من أبي رافع إلا أن هجَم على أبي لهب وثاوره، وانتهى الأمر بأن نهضت أم الفضل زوجة العباس لتدافِع عن أبي رافع، فأخذت عمودًا من عُمُد الحجرة، وشجَّت رأس أبي لهب شجَّة مُنكَرة، فقام مولِّيًا، ولم يَعِش بعدها إلا سبع ليال، فرماه الله بالعدسة، ومات ذليلاً مغمومًا، ولولا ما أنزلت غزوة بدر من ذُلِّ وهوان برجالات قريش لما كان من الممكن أن يَجرؤ أبو رافع - رضي الله عنه - على أبي لهب، وهو سيد من سادات الوادي.   ولعل هذا التأديب الذي طال قريشًا كان رحمة بهذا البلد، ذلك أن الذي يستقرئ السيرة النبوية العَطِرة يجد أنه لم تكن ثَمَّة مواجهة مسلَّحة مع قريش والمسلمين وجهًا لوجه إلا في غزوتي بدر وأُحد، أما الخندق فكَفتِ الرياحُ المسلمين جُهْد القتال وطرْد قريش وحلفائها، وبعدها فتحت مكة بدون قتال، وكأن بدرًا هي توطئة وتمهيد لفتح هذا البلد بدون قتال، فلم ينتصر المسلمون على قريش بالسلاح إلا في بدر، ولولا بدر لما جاء فتح مكة، فكأن بدرًا هي سببٌ مباشر لفتح مكة بدون قتال؛ ولذلك سمَّاها الله تعالى البطشة الكبرى؛ لأنه استأصل فيها رؤوس الكفر والكافرين، بيد أن أثر هذا الانتصار الكبير لم يظهر للعَيان إلا بعد بدر بست سنوات تقريبًا بين بدر 2 هـ، وفتح مكة 8 هـ. "
شارك المقالة:
14 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook