أجمع أهل العلم على أن حفظ القرآن الكريم كاملاً فرضٌ على الكفاية، أي إذا قام عددٌ كافٍ من المسلمين بحفظه سقط الإثم عن البقية، وقد بيّن الإمام الجويني -رحمه الله- أن المقصود عدم انقطاع عدد التواتر في القرآن الكريم، حتى لا يُتطرّق إليه بالتبديل والتحريف، فإذا توفّر ذلك العدد من الحفّاظ سقط الإثم عن بقية الأمة، وإلا أثم الجميع، وقال السيوطي رحمه الله: "اعلم أنَّ حِفْظَ القرآن فرضُ كفايةٍ على الأُمَّة؛ صرَّح به الجرجانيّ في الشَّافي، والعباديّ، وغيرهما"، وأما بالنسبة لأفراد المسلمين فقد أجمع علماء الأمة على وجوب حفظ كلّ مسلمٍ ما يلزمه لأداء الصلاة، لا سيّما أن في الشريعة الإسلامية قاعدةٌ مهمّةٌ مفادها أنَّ ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب، والصلاة فرضٌ عل كل مسلمٍ، ولتصحّ الصلاة يجب قراءة الفاتحة ومقدار معيّن من الآيات عند من يقول بوجوب قراءة ما تيسّر من القرآن بعد الفاتحة.
أما حفظ القرآن الكريم كاملاً ما عدا الفاتحة فقد أجمع أهل العلم على استحبابه، ونُقل الإجماع في حاشية الروض المربع، حيث جاء فيه: يُستحبّ حفظ القرآن الكريم إجماعاً، وفيه أجرٌ وفضلٌ عظيمٌ، وحِفظه فرضٌ على الكفاية إجماعاً، ويجب حفظ ما يجب في الصلاة اتفاقاً، وأما من أراد طلب العلم الشرعي فينبغي له أن يبدأ بحفظ القرآن الكريم، ثم ينتقل للعلوم الأخرى، فقد رُوي عن السلف -رحمهم الله تعالى- أنهم كانوا لا يُعلّمون الحديث والفقه إلا لمن يحفظ القرآن الكريم، كما إن ابن عبد البر -رحمه الله- أشار إلى أن حِفْظَ القرآن كاملاً ليس بفرضٍ، ولكنه واجبٌ لازمٌ على مَنْ أحَبَّ أن يكون عالماً، وتجدر الإشارة إلى أن نسيان القرآن الكريم بعد حفظه أو نسيان شيء منه يُعدّ تفريطاً في حق القرآن، ويدلّ على عدم الاعتناء بهذه النعمة العظيمة، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية ذكر أن نسيان القرآن الكريم من الذنوب، وأن بعض السلف كان يعدّه من الكبائر.
ثمّة العديد من القواعد المهمة التي ينبغي مراعاتها لحفظ القرآن الكريم، وفيما يأتي بيان بعضها:
وردت الكثير من النصوص الشرعية التي تدلّ على عِظم فوائد حفظ القرآن الكريم في الدنيا والآخرة وفيما يأتي بيان بعضها:
ميّز الله -تعالى- القرآن الكريم بالعديد من الخصائص، حيث جعله معجزة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الخالدة عبر الأجيال، وختم به الكتب السماوية، وجعله المهيمن عليها، أي جعله شاملاً لكل ما جاء فيها وشاهداً وحاكماً عليها، فكل ما وافق القرآن الكريم هو الحق، وكل ما خالفه فهو منسوخٌ أو محرّفٌ باطل، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)، وقد تعهّد الله بحفظه من الزيادة، والنقصان، والتحريف، والضياع، مصداقاً لقوله تعالى: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ)، وقد سخّر الله -تعالى- للقرآن الكريم أسباب الحفظ من خلال إنزاله على أمّةٍ معتادةٍ على الحفظ، فقد كان العرب يحفظون القصائد الطويلة بمجرّد سماعها لأول مرة، وسخّر له علماء ربّانيّين ليقوموا بحفظه وتعليمه عبر الأجيال المتلاحقة، وجعله سهلاً ميسّراً للحفظ، أما إعجاز القرآن الكريم فقد تبيّن جليّاً من خلال تحدّي الله -تعالى- للناس بأن يأتوا بمثله وعجزهم عن ذلك، ثم تحدّاهم بالإتيان بعشر سورٍ من مثله، فلم يستطيعوا، ثم تحدّاهم بالإتيان بسورةٍ واحدة من مثله، وعجزوا عن ذلك.
موسوعة موضوع