حفظ القرآن الكريم

الكاتب: مروى قويدر -
حفظ القرآن الكريم

حفظ القرآن الكريم.

 

 

حكم حفظ القرآن الكريم:

 

أجمع أهل العلم على أن حفظ القرآن الكريم كاملاً فرضٌ على الكفاية، أي إذا قام عددٌ كافٍ من المسلمين بحفظه سقط الإثم عن البقية، وقد بيّن الإمام الجويني -رحمه الله- أن المقصود عدم انقطاع عدد التواتر في القرآن الكريم، حتى لا يُتطرّق إليه بالتبديل والتحريف، فإذا توفّر ذلك العدد من الحفّاظ سقط الإثم عن بقية الأمة، وإلا أثم الجميع، وقال السيوطي رحمه الله: "اعلم أنَّ حِفْظَ القرآن فرضُ كفايةٍ على الأُمَّة؛ صرَّح به الجرجانيّ في الشَّافي، والعباديّ، وغيرهما"، وأما بالنسبة لأفراد المسلمين فقد أجمع علماء الأمة على وجوب حفظ كلّ مسلمٍ ما يلزمه لأداء الصلاة، لا سيّما أن في الشريعة الإسلامية قاعدةٌ مهمّةٌ مفادها أنَّ ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب، والصلاة فرضٌ عل كل مسلمٍ، ولتصحّ الصلاة يجب قراءة الفاتحة ومقدار معيّن من الآيات عند من يقول بوجوب قراءة ما تيسّر من القرآن بعد الفاتحة.


أما حفظ القرآن الكريم كاملاً ما عدا الفاتحة فقد أجمع أهل العلم على استحبابه، ونُقل الإجماع في حاشية الروض المربع، حيث جاء فيه: يُستحبّ حفظ القرآن الكريم إجماعاً، وفيه أجرٌ وفضلٌ عظيمٌ، وحِفظه فرضٌ على الكفاية إجماعاً، ويجب حفظ ما يجب في الصلاة اتفاقاً، وأما من أراد طلب العلم الشرعي فينبغي له أن يبدأ بحفظ القرآن الكريم، ثم ينتقل للعلوم الأخرى، فقد رُوي عن السلف -رحمهم الله تعالى- أنهم كانوا لا يُعلّمون الحديث والفقه إلا لمن يحفظ القرآن الكريم، كما إن ابن عبد البر -رحمه الله- أشار إلى أن حِفْظَ القرآن كاملاً ليس بفرضٍ، ولكنه واجبٌ لازمٌ على مَنْ أحَبَّ أن يكون عالماً، وتجدر الإشارة إلى أن نسيان القرآن الكريم بعد حفظه أو نسيان شيء منه يُعدّ تفريطاً في حق القرآن، ويدلّ على عدم الاعتناء بهذه النعمة العظيمة، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية ذكر أن نسيان القرآن الكريم من الذنوب، وأن بعض السلف كان يعدّه من الكبائر.

 

قواعد تساعد على حفظ القرآن الكريم:

 

ثمّة العديد من القواعد المهمة التي ينبغي مراعاتها لحفظ القرآن الكريم، وفيما يأتي بيان بعضها:

  • الإخلاص: حتى يتقبّل الله -تعالى- العمل، وينال العبد أجره كاملاً من الله تعالى، يجب عليه الإخلاص فيه، إذ إن أي عملٍ لا يقوم على الإيمان بالله -تعالى- والإخلاص له سبحانه فإنه في ضلال، كما قال الله تعالى: (قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أَعمالًا* الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا)، ولذلك ينبغي إخلاص النية لله -تعالى- والتوكّل عليه عند البدء بحفظ القرآن الكريم.
  • استغلال أفضل مرحلة عمرية للحفظ: يُفضّل البدء بحفظ القرآن الكريم في الصغر، وذلك لأن حفظ الإنسان يكون في القمّة في هذه المرحلة، وكلما زاد عمره قلّ حفظه وزاد فهمه، إلى أن يصل إلى سن الخامسة والعشرين، عندها يتساوى الفهم والحفظ، وكما تقول القاعدة: "الحفظ في الصغر كالنقش على الحجر، والحفظ في الكبر كالكتابة على الماء".
  • اختيار الوقت المناسب للحفظ: يُنصح باختيار الأوقات المناسبة للحفظ، ومن أفضل الأوقات لحفظ القرآن الكريم وقت السحر، لأن دماغ الإنسان يكون في أوج نشاطه وتركيزه عند استيقاظه من النوم.
  • اختيار المكان المناسب: يُنصح حفظ القرآن الكريم في الأماكن التي تُجتنب فيها المعاصي والذنوب، فلا نميمة فيها ولا غيبة، إذ إن للمعاصي أثراً سلبيّاً على الذاكرة.

 

فوائد حفظ القرآن الكريم:

 

وردت الكثير من النصوص الشرعية التي تدلّ على عِظم فوائد حفظ القرآن الكريم في الدنيا والآخرة وفيما يأتي بيان بعضها:

  • الإمامة في الصلاة: حيث إن حافظ القرآن الكريم أولى الناس بإمامة الصلاة، مصداقاً لما رُوي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: (لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأوَّلُونَ العُصْبَةَ -مَوْضِعٌ بقُبَاءٍ- قَبْلَ مَقْدَمِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ، وكانَ أكْثَرَهُمْ قُرْآنًا).
  • علوّ المنزلة في الجنة: ثبت أن منزلة حافظ القرآن الكريم ترتفع بالجنة بحسب حفظه للقرآن الكريم، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرأ، وارتَقِ، ورتِّل كَما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بِها).
  • رفقة الملائكة في منازلهم: فقد ثبت أن حفظ القرآن الكريم سببٌ لرفقة الملائكة في منازلهم يوم القيامة، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَثَلُ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ، وهو حافِظٌ له مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، ومَثَلُ الذي يَقْرَأُ، وهو يَتَعاهَدُهُ، وهو عليه شَدِيدٌ فَلَهُ أجْرانِ).

 

مميّزات وخصائص القرآن الكريم:

 

ميّز الله -تعالى- القرآن الكريم بالعديد من الخصائص، حيث جعله معجزة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الخالدة عبر الأجيال، وختم به الكتب السماوية، وجعله المهيمن عليها، أي جعله شاملاً لكل ما جاء فيها وشاهداً وحاكماً عليها، فكل ما وافق القرآن الكريم هو الحق، وكل ما خالفه فهو منسوخٌ أو محرّفٌ باطل، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)، وقد تعهّد الله بحفظه من الزيادة، والنقصان، والتحريف، والضياع، مصداقاً لقوله تعالى: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ)، وقد سخّر الله -تعالى- للقرآن الكريم أسباب الحفظ من خلال إنزاله على أمّةٍ معتادةٍ على الحفظ، فقد كان العرب يحفظون القصائد الطويلة بمجرّد سماعها لأول مرة، وسخّر له علماء ربّانيّين ليقوموا بحفظه وتعليمه عبر الأجيال المتلاحقة، وجعله سهلاً ميسّراً للحفظ، أما إعجاز القرآن الكريم فقد تبيّن جليّاً من خلال تحدّي الله -تعالى- للناس بأن يأتوا بمثله وعجزهم عن ذلك، ثم تحدّاهم بالإتيان بعشر سورٍ من مثله، فلم يستطيعوا، ثم تحدّاهم بالإتيان بسورةٍ واحدة من مثله، وعجزوا عن ذلك.

 

شارك المقالة:
245 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook