تهذيب الأرجوزة الميئية في ذكر حال أشرف البرية

الكاتب: المدير -
تهذيب الأرجوزة الميئية في ذكر حال أشرف البرية
"الآثار السلبية لموقف قريش من النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين على الدعوة الإسلامية (1) ارتكزت عداوة قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين على أساس عقائدي محض، وحربها لهم لم تقم لحماية كيان أو أسرة أو قبيلة، لكنها قامت للقضاء على العقيدة التي وقفت لهدم الجاهلية بكل صورها وأشكالها، وإقامة الإسلام بدلا عنها[1]. قال تعالى: ? يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ? [2].   وقد كان لموقفهم آثار ملموسة على الدعوة الإسلامية، بعضها سلبي وبعضها إيجابي، ويوضح ذلك الآتي: الآثار السلبية: أولاً: إعراض القبائل العربية عن الإسلام، وتأخر دخولها فيه: كان لصدود قريش عن الدخول في الإسلام وتضييقها على المسلمين، وامتحانهم بشتى أصناف الأذى والمحن، وتشويشها على غيرها من العرب فيما يتعلق بالدعوة الإسلامية، أثر في تأخر إسلام غيرها من القبائل، وذلك لما كان لها من مكانة عظيمة بين القبائل العربية، التي دانت لها بالسيادة الدينية، والتي كانت تنتظر بإسلامها إسلام قريش[3]، فلما أراد الله تعالى الخير لأهل مكة فتحها لنبيه صلى الله عليه وسلم -كما سيأتي - وتبع ذلك دخول العرب في دين الله أفواجاً.   ثانياً: امتناع بعض الناس من الدخول في الإسلام خوفاً من ألسنة قريش: تمسكت قريش بآلهتها ودينها بشدة، وسفَّهت من فارق دين آبائه وأجداده، وتأثَّر من الناس من تأثَّر برأيهم، ولم يُسْلم، كما حدث مع أبي طالب في مرض وفاته، حين قال مخاطبا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد طمع في إسلامه-: يا ابن أخي والله لولا مخافة السَبَّة عليك وعلى بني أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعا من الموت، لقلتها.[4].   ثالثاً: افتتان بعض المسلمين عن دينه تحت ضغوط المحنة والأذى: اشتدت وطأة قريش على المسلمين، تضطهدهم وتتفنن في أساليب تعذيبهم، وتكويهم بنار الفتنة طوال العهد المكي، وظل بعضهم تحت فتنة العذاب حتى تمكن من الإفلات بعد صلح الحديبية الميمون، وقد أدى ذلك إلى أن يتَضَعْضع بعض المسلمين أمام المحنة، ولم يطيقوا تحمل الأذى والاضطهاد ففتنوا عن دينهم وارتدوا، ثم أنها سنحت لهم الفرصة للهجرة فهاجروا وعادوا إلى الإسلام والتحقوا بزمرة المجاهدين في سبيل الله[5]، وفيهم قال تعالى ? ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ? [6].   ومنهم من كفر بلسانه ووافق المشركين مكرهاً، لما ناله من الأذى وقلبه مطمئن بالإيمان بالله ورسوله، ومنهم من شرح صدره بالكفر واطمأن به واستحب الحياة الدنيا على الآخرة[7]، وفي الصنفين قال تعالى: ? مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ? [8]. [1] بتصرف، مرويات غزوة بدر: أحمد محمد العليمي باوزير ص 259، مكتبة طيبة ط: 1 1400هـ-1980م. [2] سورة الصف آية 8. [3] بتصرف، صحيح مسلم بشرح النووي 12/140. [4]بتصرف، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم: ابن هشام 2/27. [5] بتصرف، سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، صور مقتبسة من القرآن الكريم 1/275، وقد أفرد المؤلف مبحثاً بعنوان: (محنة الأذى والفتنة ونتائجها) 1/258- 305. [6] سورة النحل آية 110. ومما ذكر في سبب نزول هذه الآية: أن عدداً من الصحابة كان يعذب حتى لا يدري ما يقول منهم: صهيب الرومي وعمار بن ياسر وأبو فكيهة وعامر ابن فهيرة وبلال رضي الله عنهم أجمعين، وفيهم نزلت هذه الآية، انظر لباب النقول في أسباب النزول: جلال الدين السيوطي ص 135، دار إحياء العلوم بيروت ط:4، 1403 هـ 1983م. [7] بتصرف، تفسير القرآن العظيم 4/524. [8] سورة النحل آية 106. وقال الإمام الطبري: (أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر وقوم كانوا أسلموا، ففتنهم المشركون عن دينهم فثبت على الإسلام بعضهم، وافتتن بعض). جامع البيان عن تأويل آي القرآن: محمد بن جرير الطبري 14/181. مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط: 3، 1388 هـ 1968م. "
شارك المقالة:
20 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook