تعظيم النبي والصلاة عليه وتجنب الغلو فيه

الكاتب: المدير -
تعظيم النبي والصلاة عليه وتجنب الغلو فيه
"صور من حياة إبراهيم عليه السلام (2) ثناء النبي الكريم على الخليل إبراهيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة، أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأُخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام[1]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قاتلهم الله، لقد علِموا ما استقسما بها قط))[2]. فواعجبًا لهم، يجترئون على خليل الرحمن، وولدِه الصادق الوعدِ، بتصويرهما بهذه الصورة الآثمة، مع علمهم المسبَق أنهما ما استقسما بها قط، والله تعالى قد آتى خليلَه رُشدَه من صغره حين أنكر على أبيه وقومه عبادةَ أصنامٍ صماء، وتماثيل بكماء، لا تسمَع عابديها إذا نادَوها، ولا تُبصِرهم إذا أقبلوا إليها، أو ارتحلوا عنها، ولا تملِك لهم ولا لأنفسها نفعًا ولا ضرًّا، يصور حالَ هذه الأصنام - التي لا تستطيع أن تدفع عن نفسها الأذى - قولُ الشاعر: أربٌّ   يبول   الثُّعلبانُ   برأسه        لقد هان مَن بالت عليه الثعالبُ كيف يظنُّ بإبراهيمَ الخليلِ الذي قصر حاجته على ربه حين أتاه المَلَكُ وهو في المنجنيق ليرمى في النار، فقال: لك حاجة؟ قال: حسبي الله ونعم الوكيل. كيف يظن بإبراهيم الخليل الذي أخلص العبادةَ لله وحده، ودأب على طاعة الله قلبًا وقالبًا: ? إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ? [البقرة: 131]. كيف يظنُّ بإبراهيم الخليل الذي وفَّى العبودية لله رب العالمين، وقد أثنى عليه سبحانه بقوله: ? وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ? [النجم: 37]. روى مسلم عن جندب البَجَلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن اللهَ اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا))[3]. وروى البخاري عن عمرو بن ميمون قال: إن معاذًا لما قدِم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ: ? وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ? [النساء: 125]، فقال رجلٌ من القوم: لقد قرَّتْ عينُ أم إبراهيم[4]. وفي الصحيحينِ عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، مَن أكرم الناس؟ قال: ((أتقاهم))، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: ((فيوسفُ نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله))، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: ((فعن معادنِ العرب تسألوني؟ خيارُهم في الجاهلية خيارُهم في الإسلام إذا فقهوا))[5]. وروى البخاري عن ابن عمرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكريم ابن الكريمابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم))[6]. وروى مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا خير البرية، فقال: ((ذاك إبراهيم[7]))[8]. قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -: وهذا من باب الهضم والتواضع مع والده الخليلِ عليه السلام؛ كما قال: ((لا تفضِّلوني على الأنبياء))، وقال: ((لا تفضِّلوني على موسى؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أولَ مَن يُفِيق، فأجد موسى باطشًا بقائمة العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جُوزِيَ بصعقة الطور؟))[9]، وهذا كله لا ينافي ما ثبت بالتواتر عنه صلوات الله وسلامه عليه من أنه سيدُ ولد آدم يوم القيامة. ولما كان إبراهيم عليه السلام أفضل الرسل وأولي العزم بعد محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، أُمِر المصلِّي أن يقول في تشهده ما ثبت في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة وغيره، قال: قلنا: يا رسول الله، هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد))[10][11]. وروى البخاريُّ عن ابن عباس قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعوِّذُ الحسَن والحسين ويقول: ((إن أباكما كان يعوِّذ بهما إسماعيل وإسحاق، أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامَّة، ومن كل عين لامَّة[12]))[13]. وروى الترمذيُّ عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقيتُ إبراهيمَ ليلة أُسرِيَ بي فقال: يا محمد، أقرئ أمتَك مني السلام، وأخبِرْهم أن الجنةَ طيِّبةُ التربة، عَذْبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر))[14]. [1] قال البخاري - رحمه الله -: باب قوله: ? إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ? [المائدة: 90]. قال ابن عباس: الأزلام: القِداح يقتسمون بها في الأمور، والنُّصب: أنصاب يذبحون عليها، وقال غيره: الزلم: القدح لا ريش له، وهو واحد: الأزلام، والاستقسام: أن يُجِيل القِداح، فإن نَهَتْه انتهى، وإن أمَرَتْه فعل ما تأمره به، يُجيل: يدير، وقد أعلموا القداح أعلامًا، بضروب يستقسمون بها، وفعلت منه: قسَمْتُ، والقُسوم: المصدر. [2] رواه البخاري (1601، 3352، 4289) وغيره. [3] رواه مسلم (532). [4] رواه البخاري (4348). [5] رواه البخاري (3353، 3374، 3383، 4689)، ومسلم (2378) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه. [6] رواه البخاري (3390) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما. [7] قال الإمام النووي - رحمه الله -: قال العلماء: إنما قال صلى الله عليه وسلم هذا تواضعًا واحترامًا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم؛ لخُلَّتِه وأبوته، وإلا فنبينا صلى الله عليه وسلم أفضل؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد ولد آدم))، ولم يقصد به الافتخار ولا التطاول على مَن تقدمه، بل قاله بيانًا لِما أمر ببيانه وتبليغه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((ولا فخرَ))؛ لينفي ما قد يتطرق إلى بعض الأفهام السخيفة، وقيل: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال: إبراهيم خير البرية قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم، فإن قيل: التأويل المذكور ضعيف؛ لأن هذا خبرٌ، فلا يدخله خلف ولا نسخ، فالجواب: أنه لا يمتنع أنه أراد أفضل البرية الموجودين في عصره؛ (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج) (15 /122) (دار إحياء التراث العربي). [8] رواه مسلم (2396) من حديث أنس - رضي الله عنه. [9] رواه البخاري (3415)، ومسلم (2373) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه. [10] رواه البخاري (3370)، ومسلم (406). [11] (البداية والنهاية) (1 /198). [12] قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: قوله: ((إن أباكما)) يريد إبراهيم عليه السلام، وسماه أبًا؛ لكونه جدًّا أعلى، قوله: ((بكلمات الله))، قيل: المراد بها كلامُه على الإطلاق، وقيل: أقضيتُه، وقيل: ما وعَد به؛ كما قال تعالى: ? وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ? [الأعراف: 137]، والمراد بها قوله تعالى: ? وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ? [القصص: 5]، المراد بالتامة: الكاملة، وقيل: النافعة، وقيل: الشافية، وقيل: المباركة، وقيل: القاضية التي تمضي وتستمر، ولا يردها شيء، ولا يدخلها نقص ولا عيب، قال الخطابي: كان أحمد يستدلُّ بهذا الحديث على أن كلام الله غيرُ مخلوق، ويحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوقٍ، قوله: ((مِن كل شيطان))، يدخل تحته شياطينُ الإنس والجن، قوله: ((وهامَّة)) بالتشديد: واحدة الهوام ذوات السموم، وقيل: كل ما له سم يقتل، فأما ما لا يقتل سمه فيقال له: السوام، وقيل: المراد: كل نسمة تهم بسوء، قوله: ((ومن كل عين لامَّة))، قال الخطابي: المراد به كل داء وآفة تلمُّ بالإنسان من جنون وخَبَل؛ (فتح الباري) (6 /410) (دار المعرفة - بيروت). [13] رواه البخاري (3371) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما. [14] رواه الترمذي (3462)، وقال: حسن غريب، قلت: في إسناده عبدالرحمن بن إسحاق، وهو ضعيف، وحسَّنه لشواهده الشيخ الألباني - يرحمه الله - في (الصحيحة) (105). "
شارك المقالة:
19 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook