الهجرة المحمدية حدث غير وجه التاريخ (3)

الكاتب: المدير -
الهجرة المحمدية حدث غير وجه التاريخ (3)
"من وحي الهجرة 1 قانون ورقة كل عام وأنتم مُهاجرون إلى الله - عزَّ وجلَّ - بِتَرْك الذُّنوب والمعاصي، والشهوات والشُّبهات، إلى فِعْل الطاعات والخيرات.   إنَّ الهِجْرة بالمَعْنى الشرعي ليستْ مُجرَّد الانتقال من بلد إلى آخَر فحَسْب، بل هي هجرة عامَّة عن كلِّ ما نَهى عنه اللهُ ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتَّى يكون الدينُ كلُّه لله.   ولقد أبدع العلماءُ والكُتَّاب في الحديث عن الهجرة واستخراجِ الدُّروس والعِبَر، ولا أدَّعي أنَّنِي قرَأْت كلَّ ما كتَبه علماؤنا حول هذا الحدَثِ العظيم والجليل، وإنَّما قرأتُ قبسًا منه، ورأيتُ مِمَّا أفاض الله به عليهم من نور الحكمة ودقَّة الفهم ما تقرُّ به العين، ويَسْعد به القلب، ولكنِّي أردتُ أن أقفَ على مَلْمحٍ مهمٍّ للغاية - وقد عالَجه العلماء بتوسُّع أيضًا - غيْرَ أنِّي أردت أن أربطه بواقع كلٍّ منا، ألا وهو قانون ورقة بن نوفل.   لِنَعلم جميعًا أنه لم يهاجر النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عبثًا، ولا لِهَدف شخصي، ولا من أجل مغنم دنيوي، ولكنْ هاجر لِهَدف عظيم؛ إنَّه إقامة الدَّولة الإسلاميَّة، فمكَّة لم تَعُد تصلح لِهذا الهدف؛ فمُعظم أهلها قد رفضوا هذه الدَّعوة الْمُباركة، فحاربوا أهْلَها وعذَّبوهم، حتى تحقَّق قانونُ ورقة بن نَوْفل؛ لتعلموا طبيعة الرِّسالات، وضريبةَ أهل الدعوات المُجاهدين الَّذين يَحْملون هَمَّ الرِّسالة، هدَفُهم إصلاح البلاد والعباد، فلمَّا نزل الوحي على محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المرَّة الأولى وهو يتعبَّد في غار حراء، ورجع النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى بيته وهو في خوفٍ وفزَعٍ مِمَّا رأى، قائلاً: ((زمِّلوني زملوني))، قابلَتْه الزوجة الصالحة بكلام طيِّب؛ تَهْدِئة لِرَوعه - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالت خديجة: كلاَّ، والله ما يُخْزيك الله أبدًا، إنَّك لتَصِل الرَّحِم، وتَحْمل الكلَّ، وتُكْسِب المعدوم، وتقري الضَّيف، وتُعين على نوائب الحقِّ، ثم انطلقت به حتَّى أتَتْ به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزَّى، ابن عمِّها، وكان امرأً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيَّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي - فقالت له خديجة: يابن عمِّ، اسمع مِن ابن أخيك، فقال له ورقة: يا بن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا النَّاموس الذي نزَّله الله على موسى، يا ليتَنِي فيها جَذَعًا، ليتني أكون حيًّا إذْ يُخْرجك قومُك، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((أوَمُخْرِجيَّ هم؟)) قال: نعم، لم يأْت رجلٌ قطُّ بِمِثل ما جئت به إلا عُودِيَ، وإن يدرِكْني يومُك أنصُرْك نصرًا مؤزَّرًا.   وها هو قانون ورقة يتحقَّق؛ ليعلم أهل الإصلاح أنَّهم سوف يجدون عداءً من أهليهم وذويهم كما فُعل بالرُّسل جميعًا، وبدأ القانون يُنفَّذ مع محمَّد وأصحابه، فعاشوا منذ إعلان هذه الدَّعوة المباركة في اضطهاد وعذاب، بداية بالرَّسول الكريم، ومرورًا بجميع الصحابة - رضوان الله عليهم.   فلمَّا أعلن النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هدفَ هذه الرِّسالة على جبل الصَّفا قابلَه عمُّه أبو لَهب بالإساءة؛ لِيُشعل نار العداء على محمَّد ومن يتبعه، فنالوا أشدَّ العذاب؛ عمار، وياسر والده، وأمُّه سمية بنت الخياط، وبلال بن رباح، وخبَّاب بن الأرَتِّ، وغيرهم الكثير، حتى دبَّ اليأس في قلوب الصحابة، فجاء خبَّابٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - يطلب النُّصْرة، قال خباب بن الأرت: أتيتُ النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو متوسِّدٌ بُرْدَه، وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدَّة، فقلتُ: ألا تدعو الله، فقعد، وهو محمرٌّ وجْهُه، فقال: ((لقَدْ كان مَن قبلكم ليمشط بِمشاط الحديد ما دون عظامه من لَحْم وعصَب، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتِمنَّ الله هذا الأمر حتَّى يسير الراكبُ من صنعاء إلى حضرموت، ما يَخاف إلا الله، والذئبَ على غنمه))، وفي رواية: ((ولكنَّكم تستعجلون)).   فلْيَعلم أهْلُ الدَّعوات أن النُّصرة والغلَبَة لهذه الرسالة، فلا تستعجلوا النُّصرة، ولا تَيْئسوا، ولكن عليكم بالصَّبْر على الابتلاء، فهو سنَّة الحياة وطريق الأنبياء، فالنَّصر قادم، وتوفيق الله قادم، ولكن لِمَن صبر وعمل بلا يأس، ? حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ? [يوسف: 110].   فكان هذا هو الوضع في مكَّة، فكان لزامًا أن يُهاجروا إلى مكان مستَقِرٍّ يَصْلح لإشراق نور هذه الرِّسالة؛ لذلك كانت الهجرة النبويَّة. "
شارك المقالة:
16 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook