المرأة في عصر النبوة

الكاتب: المدير -
المرأة في عصر النبوة
"ريح زينبية ذهبت زينب رضي الله عنها، ورأى أبوها جثمانها الطاهر في التراب؛ لأنها سنة ماضية؛ قال تعالى: ? مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ? [طه: 55]، ولما فصلت عير الفراق وخرجت من حدود الدنيا، بقيت ريح المحبة وبَقِيَ وميض الذكرى يلوح في طفلة جميلة ملأت قلب جدها حُبًّا وشوقًا، تلك هي أمامة حبيبة الحبيبة.   ولا ريب أن حبيبة الحبيبة هي ملاك في عين الحبيب، والمتنبي الشاعر المعروف لما حزن سيف الدولة لموت شخص عزيز لديه وحبيب إلى قلبه، قال أبياتًا وفيها: وإني وإن كان الدفينُ حبيبَهُ *** حبيبٌ إلى قلبي حبيبُ حبيبي وكلما ابتعد الغصن عن الجذع زاد طرفه الأبعد رقَّةً، فهو يحتاج إلى عضد أشد وأقوى.   تلك هي ريح زينب التي بقِيت في بيت النبوَّة تروح وتغدو بنبرة صوتها الذي يهيج الأذن النبويَّة الزكية، تروح وتغدو بمقلتها وبمِشْيتها وبمحيَّاها بين يدي رسول الله، كلما رآها تذكر ابنته تذكَّر تلك الزهرة الغرَّاء، ذلك النجم الوضَّاء الذي أفلَ عن عينه، ولكنه ترك له نورًا يُضيء له شيئًا من الذكريات الجميلة ما بقِي من عمره الشريف.   تلك أمامة، زهرة مطبقة الأكمام، وبرعم لم يتفتَّح بعد أن رحلت عنها أُمُّها وهي صغيرة؛ لكنها تسكن في سويداء قلب جدِّها صلى الله عليه وسلم الذي كان يَحنو عليها ويُلاعبها، ولقِيت مِن حُبِّه ما يُبهج عينها، كان لها كل شيء؛ فقد كفلها خير البشر رحمةً وأرق الناس قلبًا، فكيـف سيكون مع مَنْ هي قطعة من كبدٍ، كانت قطعة من كبده الشريف، ورضعت الإيمان منها كما رضعته أُمُّها من جدتها خديجة رضي الله عنها؟!   لقد أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمامة مِنْ حبِّه ما جعلها تتبوَّأ مكانةً مرموقةً، فهي أول حفيدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن في بيت النبوَّة إلَّا هي من الأحفاد.   كان رسولنا صلى الله عليه وسلم إذا خرج للصلاة يخرج في منظر مهيب، يحفُّه جلال الإيمان، ويعبق من خطواته مسك الإخبات، وعلى عاتق أدبه وشاح السكينة والوقار.   فكل مَنْ ينظر إليه يتكحَّل بأُبَّهة الخضوع، وكل مَنْ حوله يستشعر رونق الخشية، وهو صلى الله عليه وسلم يتقدَّم لمحرابه والصفوف مطرقة خاشعة الأبصار، ترمقه رمقًا.   قد تحاذت الأكعاب بالأكعاب، وتساوت الأكتاف بالأكتاف، ولانت مودَّةً وتأليفًا، حتى تقاربَت القلوب، وأصبحت على قلب رجل واحد: ? كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ? [الصف: 4].   ومع هذا المنظر المهيب الذي يتكرَّر كل يوم خمس مرات، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في فرض من الفروض، خرج على مَنْ زلزلوا حصون الفرس والروم، خرج على مَنْ حكموا الشرق والغرب، وأسقطوا أعظم إمبراطوريتين في ذلك الوقت، خرج عليهم وهو يحمل على عاتقه الذي يقف خلفه أولئك العظماء، رعيل الأمجاد وجيل الأسياد.   خرج وهو يحمل على عاتقه الشريف أمامة حفيدته رضي الله عنها التي ملأت قلبه فقَلَّهَا عاتقه، لقد خرج صلى الله عليه وسلم على أصحابه حاملًا أمامة يمشي وهي في عالم المرح، في براءة اللعب، تُمازحه، تُلاعبه، تضحك وتضحك، تأمَّل كم بين الضحكتين من زمن؟ كم بين المنظرين من زمن؟ ذلك الزمن الذي كانت أمُّها تصعد على هذا العنق، ذلك الزمن الذي كانت أمُّها تُداعب هذا العاتق فيه بنفس النبرة الزينبية، يا له مِنْ مشهد أبوي لطيف! من سيد ملك السيادة البشرية عطاءً غير منقوص ولا منزوع.   تقدم صلى الله عليه وسلم بها حتى وقف بين يدي ربه وهو صلى الله عليه وسلم خير المكبرين، وخير القائمين بين يدي الله رب العالمين، وما زالت أمامة على عنقه، وهو قائم يُصلِّي في المحراب، ويقرأ آيات ربِّه ولصدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء - كما هي عادته صلى الله عليه وسلم - إذ صلاته وخشوعه ودمعه وقيامه لله ربِّ العالمين لا شريك له، يتعلَّم منه رجال الإيمان، وصحابة الكفاح يتعلَّمون منه كيف تكون إقامة الصلاة، ومع هذا لم تزل أمامة على عنقه.   أي دين هذا؟! أي سماحة هذه؟! أي رفق هذا؟! فأين دعاة حقوق الأطفال الذين نصبوا أبواقهم لدسِّ كل فعل خسيس تحت الكواليس؟! أين هم لينظروا كيف هو دين الإسلام؟! ليتعلَّموا منه معنى الرفق؟! وكيف صان حق الطفولة، وهذَّب روضتها ورتَّب بُستانها؟! هذا سيد البشر صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن الحقوق لا يمكن أن تتعارض إذا كانت على منهج الإسلام تسير، لقد أقام صلى الله عليه وسلم صلاته مع إعطائه حق طفلته أمامة: ? وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ? [النساء: 82]. "
شارك المقالة:
23 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook