السيدة أم عمارة..

الكاتب: المدير -
السيدة أم عمارة..
"آيات منيرة في أحداث السيرة (6)   أصاب المشركين خوفٌ شديد بعد معركة بدر، فلم يكن ما حدث لهم على أيدي المسلمين، وما فقدوا من زُعماءَ متوقَّعًا، ولم يخطر ببالهم أن يُهزموا تلك الهزيمةَ الكبيرة؛ حتى صاروا خَجِلِين مِن مواجهة أهل مكة بتلك الفضيحة، ‏فجاء الحيسُمان بن عبد الله الخزاعي، حتى أقبل على أهل مكة؛ فقالوا‏:‏ ما وراءك‏؟‏ قال‏:‏ قُتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف.. وذكر عددًا من أشراف قريش وزعمائها.. فكان الخبر عليهم كالصاعقة..   وهكذا تلقَّت مكةُ أنباءَ الهزيمة الساحقة في معركة بدر، مما أثر فيهم؛ حتى إنهم منعوا النياحة على قتلاهم؛ خشيةَ شماتة المسلمين، وافتِضاح أمْرِهم بين القبائل، وخوفًا مِن تحدُّثِ الناسِ عن هزيمتهم.   بينما أقبلتْ بشائرُ النصر تسبق الجيشَ الإسلامي المُظفر؛ فقد أَرسَل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زيدَ بن حارثة - رضي الله عنه - مبُشِّرًا إلى أهل السافلة، وأرسَل عبدَ الله بن رواحة - رضي الله عنه - مُبشِّرًا إلى أهل العالية، بما فتح الله -عز وجل- على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين.   قال أسامة بن زيد - رضي الله عنه -: أتانا الخبر، حين سوَّينا الترابَ على رقية ابنةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كانت عند عثمان بن عفان. وكان عثمان - رضي الله عنه - قد احتبس عندها يُمرِّضها، بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ضرب له رسول الله بسهمه وأجره في بدر.   ولم يَتَوَانَ المنافقون، كعادتهم - بالاشتراك مع اليهود - في إثارة الشائعات، وإحداث البلبلة في المدينة؛ فأشاعوا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قُتِل، عندما رأوا زيد بن حارثة وقد أقبل راكبًا القصواء - ناقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فزعموا أنه قد جاء راكبًا الناقة بعد ما مات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد عَقَد الخوفُ لسانه، فقلِق المسلمون مِن ذلك، حتى إذا ما أقبل زيد، وعلِم المسلمون الخبر، تَعَالَت أصواتهم بالتكبير، والتهليل، وذكْر الله، حتى اهتزَّت المدينة كلها فرحًا وسرورًا بهذا النصر العظيم..   وقرر المسلمون أن يُبادروا الجيشَ الإسلامي مارِّين بطريق بدر؛ لتهنئة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والجيش المُنتصر، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أقام ببدر ثلاثة أيام قبل أن يتحرك بالجيش ومَن معه مِن الأسرى ويهمَّ بالعودة إلى المدينة، وحمَل معه الغنائمَ التي أصابها المسلمون مِن العدوِّ، وجعل عليها عبدَ الله بن كعب، ثم نزل على كثيبٍ بين المضيق وبين النازية، وقسم هنالك الغنائمَ بين المسلمين على السواء، بعد أن أخذ منها الخُمس.   وعندما اقترب الجيشُ المظفَّر مِن المدينة، لقِيَهم مَن كان قد خرج للتهنئة، مهللين، حامدين، شاكرين، فقال لهم سلمة بن سلامة – رضي الله عنه -: ما الذي تُهَنِّئوننا به؟ فوالله إنْ لَقِينا إلا عجائز صُلعًا كالبُدن المُعقلة فنحرناها (يقصد بذلك رؤساءَ قريش وصناديدَها الذين قُتلوا)..   وكان أسيد بن حضير – رضي الله عنه - قد تخلَّف؛ ظانًّا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لن يلقَى إلا العِير، ولم يَعلم أنها الحرب! فأقبل مع المبشِّرين، واستقبَل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال له: الحمد لله الذي أظفَرَك، وأقرَّ عينَك، والله يا رسول الله! ما كان تخلُّفي عن بدر وأنا أظن أنك تَلقَى عدوًّا، ولكن ظننتُ أنها عِير، ولو ظننتُ أنه عدوٌّ ما تخلَّفتُ، فصدَّقه - صلى الله عليه وسلم.   ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وقد خافه الكثيرُ مِن يهود المدينة، وأسلم مِن المنافقين عددٌ كبير؛ منهم عبد الله بن أُبيِّ بن سلول، ونفرٌ مِن أصحابه تقيةً ورياءً.   روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يومُ بدر، نظَر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - القِبلةَ، ثم مدَّ يديه فجعل يهتِف بربه: ((اللهم أنجِز لي ما وعدتَني.. اللهم آتِ ما وعدتني.. اللهم إنْ تهلِك هذه العصابةُ مِن أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض)). فما زال يهتف بربه، مادًّا يديه، مُستقبِلَ القِبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر. فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه مِن ورائه وقال: يا نبيَّ الله! مُناشدَتُك ربَّك؛ فإنه سُينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل: ? إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ? [الأنفال: 9]، فأمده الله بالملائكة.   قال ابن عباس: بينما رجُلٌ مِن المسلمين يومئذ يشتدُّ في أثر رجُلٍ مِن المشركين أمامه، إذ سمِع ضربةً بالسوط فوقه. وصوتَ الفارِس يقول: أَقْدِمْ حيزوم.. فنظر إلى المشرك أمامه فخرَّ مُستلقيًا، فنظر إليه فإذا هو قد خُطِم أنفُه، وشُقَّ وجهُه كضربة السوط! فاخضرَّ ذلك أجمَع. فجاء الأنصاريُّ فحدَّث بذلك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((صدقتَ؛ ذلك مَدَدُ السماءِ الثالثة)). فقَتَلوا يومئذ سبعين، وأسَروا سبعين.   قال ابن عباس: فلمَّا أسَروا الأسارى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: ((ما تَرَوْن في هؤلاء الأسارى؟)). فقال أبو بكر: يا نبيَّ الله! هم بَنُو العَمِّ والعَشِيرة. أرى أن تأخُذ منهم فدية. فتكون لنا قوة على الكفار. فعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلتُ: لا. والله! ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تُمكنَّا فنَضْربَ أعناقَهم، فتُمكِّنَ عليًّا مِن عَقِيل فيَضربَ عنقَه، وتمكنِّي مِن فلان - نسيبًا لعمر - فأضربَ عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يَهْوَ ما قلتُ.   فلما كان مِن الغدِ جئتُ فإذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، قاعدَيْن يبكيانِ، قلتُ: يا رسول الله! أخبرني مِن أي شيء تبكي أنتَ وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاءً بكيتُ، وإن لم أجد بكاءً تباكيتُ لِبُكائِكُما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أبكي للذي عَرَضَ عليَّ أصحابُك مِن أخذِهم الفداءَ، لقد عُرِضَ عليَّ عذابُهم أدنَى مِن هذه الشجرة))، شجرة قريبة مِن نبي الله - صلى الله عليه وسلم.   وأنزل اللهُ عز وجل في ذلك آياتٍ بيِّناتٍ؛ فأحلَّ اللهُ الغنيمةَ لهم. فما الآيتانِ اللتانِ نزلتا في ذلك؟ وفي أيِّ أجزاءِ القرآنِ وَرَدَتْ؟   أَدَعُ الجوابَ للقُرَّاء؛ رغبةً في تفعيلِ مشاركاتِهم في هذا الموضوع.. "
شارك المقالة:
180 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook