الدلائل العلمية .. آيات في الكون عند النبي

الكاتب: المدير -
الدلائل العلمية .. آيات في الكون عند النبي
"داعية مطارد بين وهاد مكَّة وشعابها، ظلَّ ذاك الرجل الذي نُعت بالكاهن والمَجنون يَجوب الدروب ليُبلِّغ رسالة ربه مبتدئًا ببني قومه؛ ليمدَّ لهم يدًا تُنجيهم من الهوّة السحيقة والضلال المُبين الذي قد لبسهم، ولكن اليد الأُخرى أبت أن تمدَّ يدًا، وفضَّلت دِين الآباء على ما يُنادي به هذا الصادق الأمين، وليتهم اكتفوا بذلك، بل زادوا الطين بِلَّة بأن آذَوه وآذَوا مَن معه بأصناف مِن الأذى التي لم تَخطُر على بال، في مُحاوَلة منهم لتكميم الأفواه، وبرغم هذا وذاك لم يَزدَدِ الرجل ومن معه إلا إيمانًا وتثبيتًا. مرَّت الأيام ولم تَلِن قلوب أهل مكة؛ بل زاد أذاهم لخير البرية، فقرر - عليه الصلاة والسلام - أن يبعَث قلوبًا أخرى في مكان آخَر، فوقع اختياره على الطائف، فشدَّ رحاله بصحبة زيد بن حارثة - رضي الله عنه - وبدأت الأقدام تشقُّ الأودية والجبال نحو الهدف المقصود، والشمس تُرسل أشعتها الحارقة لتجعل مِن المفازة القاحلة قِدرًا تَستعِر في جوفه النار.   بعد جهد المسير ألقى - عليه الصلاة والسلام - عصا التَّرحال في الطائف، وقام من فوره ليُبلِّغ رسالة ربه، فأول ما بدأ، بدأ بأكابر القوم يدعوهم إلى أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويُبيِّن لهم معالم الطريق الجديد الذي يُنجيهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.   ولكن ردَّة فعل الآخَر أتتْ في غاية الشناعة والقسوة، وهم يَرون أمامهم رجلاً قد نال منه الجهد كل مَنال، فلم يدَعوه ليَستريح ويُكرموه بما يَقتضيه حق الضيافة في تلك الأيام، بل أتى كلامهم كوقع سياط مُلتهِب بنار القحة، فقال أولهم: أما وجد الله رسولاًً غيرك ليُرسله؟!   والآخَر قال: والله لو كُنْتَ رسولاً لأمزقنَّ ثياب الكعبة!   وثالث يقول: إن كنت نبيًّا فأنا أصغر مِن أن أتكلم على الأنبياء، وإن كنتَ كاذبًا فأنا أكبر من أن أتحدَّث مع الكذابين. فخرَج - عليه الصلاة والسلام - وهو يرجوهم أن يَكتموا أمره عن الناس؛ عسى أن يكون هناك آخرون من هذه المدينة لهم قلوب ظمأى تحب أن تنهَل من حياض الحق المبين، ولكن أكابر القوم أشاعوا الخبر بين الناس فسار بينهم - أي الخبر - وانتشَر انتشار النار في الهشيم، وليتهم اكتفوا بذلك؛ بل أغروا سفهاء القوم والرِّعاع منهم فخرَجوا زرافات ووحدانًا في موكب صاخب، لا يمتُّ حتى إلى العقل الإنساني بصِلة؛ لتمتلئ أيديهم بالحجارة وهم يَقذفون بها بكلِّ ما أُوتوا من قوة ليُصيبوا الهدَف، وما أدراك ما الهدف؟! إنه محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم!! تَنهال عليه الحجارة من كل جانب حتى يَخرُج دمٌ أحمرُ قانٍ مِن قدمَيه الشريفتين، وزيد بن حارثة - رضي الله عنه - يعمَل كدرعٍ بشريٍّ لئلا يُصيب النبي - عليه الصلاة والسلام - شيء مِن أذى القوم.   تكالبَت صُروف الدهر على المصطفى، ونزَل به مِن الهمِّ والحزَن والكرب ما لا يَعمله إلا الله، وهو يدعو قومه للنجاة، والآخَر يَدعوه إلى النار، فسار هائمًا على وجهِه لا يَدري إلى أيِّ مكان يُريد، دعوة مُطارَدة وداعية مطارد، وأصحابها مُطارَدون في الحبَشة، وفي دروب مكة يُعذَّبون، فلم يَملك المصطفى إلا أن يرفع يدَيه لمن يعلم حاله وحال أصحابه، فسالت الكلمات من فيه رقراقةً تَحمِل بين ثنايها شكوى يتفطَّر القلب المتحجِّر عند سماعها، كلمات حارَّة نابعة من قلب مكلوم؛ حيث قال: ((اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقِلَّة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحمَ الراحمين، أنت ربُّ المُستضعَفين، وأنت ربي، إلى مَن تَكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهَّمني، أم إلى عدوٍ ملَّكتَه أمري، إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أُبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهِك الذي أشرقَت له الظلمات، وصَلُح عليه أمر الدنيا والآخِرة، أن يحلَّ عليَّ غضبك أو ينزل بي سخطُك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)). من فورِه أتى جبريل ومعه ملك الجبال وهو يستأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُطبِق عليهم جبلاً على آخَر؛ لتَسيل الدماء وتُسحَق الجماجم التي اعتدَت على رسول الله، كانت فرصة سانحة للانتقام من هؤلاء؛ ليكونوا عِبرة للمُعتدَين، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن ليَنتقم لنفسه، فقال قولته المشهورة التي سُطرت بماء الذهب: ((إنني أرجو الله أن يُخرج من أصلابهم مَن يوحِّد الله - جل وعلا)). "
شارك المقالة:
13 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook