"الترغيب في سكنى المدينة، والصبر على لأوائها"

الكاتب: المدير -
"باب الترغيب في سكنى المدينة، والصبر على لأوائها   عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِي أَنَّهُ جَاءَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ لَيَالِي الْحَرَّةِ فَاسْتَشَارَهُ فِي الْجَلاَءِ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَشَكَا إِلَيْهِ أَسْعَارَهَا وَكَثْرَةَ عِيَالِهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنْ لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَى جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلأوَائِهَا، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ لاَ آمُرُكَ بِذلِكَ، إِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لاَ يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لأوَائِهَا فَيَمُوتَ، إِلا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا كَانَ مُسْلِمًا»[1]؛ رواه مسلم.   عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ، فَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ وَاشْتَكَى بِلاَلٌ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- شَكْوَى أَصْحَابِهِ قَالَ: اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ مَكةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَحَوِّلُ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ»؛   زاد البخاري: فكان أبو بكرٍ إِذا أخَذَتْهُ الحُمَّى يقول: كُل امرئٍ مُصبَّحٌ في أهلهِ والموتُ أدنى من شِراكِ نَعْلهِ، وكان بلالٌ إِذا أَقْلِعَ عنه الحمَّى يَرفَعُ عَقيرتَهُ يقول: ألا ليت شِعرِي هل أبِيتَنَّ ليلةً بوادٍ وحَولي إِذخِرٌ وجَلِيلُ وهَل أرِدَنْ يومًا مِياهَ مجنَّةٍ وهل يَبْدُوَنْ لي شامة وطَفِيلُ   وقال: اللهمَّ العَنْ شَيبةَ بنَ رَبيعةَ وعُتبةَ بنَ رَبيعةَ وأُميَّةَ بنَ خَلَفٍ، كما أخرَجونا مِن أرضِنا إلى أرضِ الوَباءِ... وفي رواية: قالت عائشة: فجئتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فأخبرتهَ فقال: «اللهمَّ حَبِّبْ إلينا المدينةَ...».   وعند البخاري أيضًا من حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رأيت كأن امرأةً سوداء ثائرةَ الرأس خرجَت من المدينة حتى قامت بمَهْيَعةَ وهي الجحفة، فأوَّلتُ أَن وباء المدينة نقلَ إليها».   تخريج الأحاديث: حديث أبي سعيد - رضي الله عنه؛ أخرجه مسلم حديث (1374)، وانفرد به.   وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - فأخرجه مسلم حديث (1376)، وأخرجه البخاري في كتاب فضائل المدينة، باب 12 حديث (1889).   وأما حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فانفرد به البخاري في كتاب التعبير، باب إذا رأى أنه أخرج الشيء من كوة وأسكنه، حديث (7038).   شرح ألفاظ الأحاديث: ? ((لَيَالِي الْحَرَّةِ)): حرة المدينة التي كان بها مقتلة عظيمة وقعت على أهل المدينة، كان سببها عبدالله بن الزبير رضي الله عنه، وأكثر أهل الحجاز الذين كرهوا بيعة يزيد بن معاوية، فوجه لهم جيشًا عظيمًا من أهل الشام، فنزل في المدينة وقاتل أهلها بحرة المدينة وسفك دماءهم؛ [انظر المفهم (3 / 492 9 حديث (1229) ].   ? (( الْجَلاَءِ )): بفتح الجيم وهو الانتقال من بلد إلى آخر.   ? (( جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلأوَائِهَا)): المشقة والشدة والجوع.   ? ((وَهِيَ وَبِيئَةٌ)): من الوباء، وهو هنا شدة المرض والحمى التي كانت بالمدينة ومرض فيها بعض الصحابة رضوان الله عليهم.   ? ((وَصَحِّحْهَا)): أي صحح أهلها بمعافتهم من الأمراض، وكشف الضر عنهم.   ? ((وَحَوِّلُ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ)): تقدم في المواقيت أن الجحفة هي ميقات أهل الشام وهي قرية قبل مكة بمائتين كليو تقريبًا، سُميت بذلك لأن السيل اجتحفها.   ? ((مُصبَّحٌ)): أي مصاب بالموت صباحًا، وقيل: أي إنه يقيم في أهله معافًى، يقال له: صبَّحك الله بالخير، ثم يفاجئه الموت في بقية النهار وهو عند أهله.   ? ((أدنى)): أقرب.   ? ((شِراكِ نَعْلهِ)): الشِّراك هو السير الذي يكون في وجه النعل، والمعنى أن الموت أقرب إليه من شراكه.   ? ((يَرفَعُ عَقيرتَهُ)): أي يرفع صوته ببكاء أو بغناء.   ? ((بوادٍ)): المقصود به وادي مكة.   ? ((وجَلِيلُ)): نوع من النبات.   ? ((مِياهَ مجنَّةٍ)): موضع قريب من مكة كان به سوق مجنة.   ? ((وهل يَبْدُوَنْ لي شامة وطَفِيلُ)): أي يظهر لي الجبلان شامة وطفيل، وهما اسمان لجبلين قُرب مكة.   ? ((كما أخرَجونا مِن أرضِنا)): أي مكة إلى أرض الوباء وهي المدينة في ذلك الوقت.   ? ((ثائرةَ الرأس)): من الثوران لشعر الرأس حين لا يكون ساكنًا.   ? ((بمَهْيَعةَ)): هو اسم للجحفة، وكان يسكنها اليهود، ولذا دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بنقل الحمى إليها.   من فوائد الأحاديث: الفائدة الأولى: حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - فيه بيان فضل الصبر على مشقة المدينة وما فيها من شدة، وتقدم في حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - يبان ذلك وهو أن ينال شفاعة أو شهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.   الفائدة الثانية:حديث عائشة - رضي الله عنها - فيه بيان دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- للمدينة بأن تكون بلدة محبوبة كحب مكة وأشد، وهو زيادة أفضلية للمدينة تضاف لدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- للمدينة بالبركة في مكيالها وثمرها.   الفائدة الثالثة: حديث عائشة - رضي الله عنها - فيه بيان ما لاقاه الصحابة - رضي الله عنهم - من الابتلاء بالحمَّى، وشفقة النبي -صلى الله عليه وسلم- حين دعا لهم بالصحة ونقل الحمى إلى الجحفة.   الفائدة الرابعة:حديث ابن عمر - رضي الله عنه - فيه دلالة على أن الله تعالى قد يكرم العبد برؤيا تبشِّره بما يريده ويطلبه من الله تعالى، وأنه قد يدعو الله تعالى فتكون عاجل بشرى الاستجابة في الرؤيا قبل الواقع، وهذا من فضل الله تعالى وامتنانه. [1] وبنحو قول النبي صلى الله عليه وسلم جاء عند مسلم من حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما. "
شارك المقالة:
19 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook