التاريخ الأسود في إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته
الكاتب:
المدير
-
"خريطة فتح مكة[1] وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى المسلمين عن القتال، وأمرهم بأن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم، غير أن قريشًا لم ترضخ للأمر وتستسلم كلها، فقد جمع بعضهم جموعًا وأتباعًا وتعرضوا لكتيبة خالد بن الوليد رضي الله عنه بمكان يسمى: الخندمة[2]، وكان فيهم: صفوان بن أمية، [3] وعكرمة بن أبي جهل،[4] وسهيل بن عمرو، فناوشوهم شيئا من القتال فقتل من المسلمين: كُرْز بن جابر الفهري،[5] وخُنَيس بن خالد[6] رضي الله عنهما[7]، شذا عن طريق خالد رضي الله عنه فسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا، وقتل من المشركين اثنا عشر رجلا ثم انهزم المشركون. ووصف أحدهم وهو - حماس بن قيس[8] أخو بني بكر بعد فراره إلى بيته - المعركة بأبيات شعرية [[9. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخالد بن الوليد: (( لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال؟))، فقال: هم بدؤونا بالقتال ووضعوا فينا السلاح، وأشعرونا بالنبل، وقد كففت يدي ما استطعت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( قضاء الله عز وجل خير))[10]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد عقد لهم الأمان في حالة كفهم عن القتال واستسلامهم، أما وقد تعرضوا لجيش المسلمين بالقتال فقد أباحوا للمسلمين قتالهم، وزال الأمان وحلت دماؤهم[11]. وقد روى الإمام مسلم وقوع القتال بين أهل مكة والمسلمين، فروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله:( أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المُجنِّبَتَين[12]، وبعث خالدا على المجنِّبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحُسَّر[13]، فأخذوا بطن الوادي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة، قال: فنظر فرآني، فقال: ((أبو هريرة)). قلت: لبيك يا رسول الله. فقال: (( لا يأتيني إلا أنصاري))... قال فأطافوا به، ووبَّشت قريش أوباشا لها وأتباعًا[14]، فقالوا: نقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أُصيبوا أعطينا الذي سُئلنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم))، ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى ثم قال: ((حتى توافوني بالصفا)). قال: فانطلقنا، فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا. قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، أبيحت خضراء قريش[15]، لا قريش بعد اليوم ثم قال: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)). ولما رأى الأنصار رأفة النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مكة، وإشفاقه عليهم، خشوا أن يرجع إلى سكنى مكة - موطنه الأول - ويقيم فيها، ويترك المدينة، فشقَّ ذلك عليهم وقالوا: (أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته). فجاءه الوحي بما قالوا فناداهم وسألهم عن قولهم، فأقروا بما تكلموا به، فقال: (( كلا إني عبدالله ورسوله[16]، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم، والممات مماتكم)) فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضِّن[17] بالله وبرسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم))[18]. [1] من كتاب الرسول القائد ص 342. [2] جبل بمكة وأهل مكة يقولون الخنادم، وهي جبال مكة الشرقية تبدأ من أبي قبيس شرقا وشمالا ثم تمتد حتى تفيء على حي العزيزية. بتصرف، معجم البلدان 2/392، ومعجم المعالم الجغرافية ص 114. [3] هو صفوان بن أمية بن خلف بن وهب القرشي الجمحي، من كبراء قريش وسيد بني جمح وقيل: إليه كانت الأزلام في الجاهلية، قتل أبوه مع أبي جهل في بدر، هرب يوم الفتح وأسلمت امرأته، واستعار منه النبي أداة وسلاحا لما خرج إلى حنين، ثم أسلم بعد غزوة الطائف وحسن إسلامه، شهد اليرموك أميرًا، توفي رضي الله عنه سنة 41 ه. بتصرف، الاستيعاب 2/183، وسير أعلام النبلاء 2/562، والإصابة 2/187. [4] هو عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي، كان وأبوه من أشد الناس على الرسول صلى الله عليه وسلم. أسلم يوم الفتح وخرج إلى المدينة، وجهه أبو بكر الصديق لقتال أهل الردة، استشهد في موقعة أجنادين وقيل: في اليرموك سنة 15 ه رضي الله عنه وقيل غير ذلك. بتصرف، سير أعلام النبلاء 1/323، والإصابة 2/496. [5] هو كُرْز بن جابر بن حسل بن لاحب القرشي الفهري، كان من رؤساء المشركين، أغار مرة على سرح المدينة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه ولكنه فاته (وهي بدر الأولى). أسلم بعد غزوة بدر وهو الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم وراء العرنيين لما عدوا على سرحه. بتصرف، الاستيعاب 3/290، والإصابة 3/290. [6] هو خنيس بن خالد بن ربيعة بن أصرم الخزاعي حليف بني منقذ، وقيل: هو حبيش الأشعر، يكنى أبا صخر وهو أخو أم معبد التي مرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر من مكة، استشهد في غزوة الفتح. بتصرف، الإصابة 1/310. [7] وفي صحيح البخاري حبيش ابن الأشعر انظر، كتاب المغازي باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح 5/92. [8] هو حماس بن قيس بن مالك الدئلي، ويقال: خالد بن قيس. بتصرف، الإصابة 1/352. [9] قال: إنك لو شهدت يوم الخندمة إذ فر صفوان وفر عكرمة وأبو يزيد قائم كالمؤتمة واستقبلتهم بالسيوف المسلمة يقطعن كل ساعد وجمجمة ضربا فلا يسمع إلا غمغمة لهم نهيت خلفنا وهمهمة لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم: ابن هشام 4/27. [10] السنن الكبرى كتاب السير باب فتح مكة 9/121، وانظر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم: عروة بن الزبير برواية أبي الأسود عنه ص 212. جمع وتحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي من منشورات مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض ط:1، 1401ه 1981م. [11] بتصرف، عون المعبود 8/264. [12] مجنبة الجيش: هي التي تكون في الميمنة والميسرة، وهما مجنِبتان، وقيل: هي الكتيبة التي تأخذ إحدى ناحيتي الطريق، والأول أصح. النهاية في غريب الحديث 1/303. وانظر، صحيح مسلم بشرح النووي 12/126. [13] جمع حاسر: وهو الذي لا درع عليه ولا مغفر. النهاية في غريب الحديث 1/383. [14] أي جمعت جموعا من قبائل شتى. المرجع السابق 5/146. [15] أي استؤصلت بالقتل وأفنيت، وخضراؤهم بمعنى جماعتهم، ويعبر عن الجماعة بالسواد والخضرة، ومنه السواد الأعظم. بتصرف المرجع السابق نفس الصفحة. [16] يحتمل وجهين: 1- أني رسول الله حقا، فيأتيني الوحي وأخبر بالمغيبات، فثقوا بما أقول لكم وأخبركم به. 2- لا تفتنوا بإخباري إياكم بالمغيبات، وتطروني كما أطرت النصارى عيسى عليه السلام، فإني عبد الله ورسوله. المرجع السابق 12/128. [17] أي شحا بك أن تفارقنا ويختص بك غيرنا، وكان بكاؤهم فرحا مما قاله لهم، وحياء مما خافوا أن يكون بلغه عنهم مما يستحى منه. المرجع السابق 12/129. [18] صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب فتح مكة 3/1405 ح 1780. "
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.