أصل الْجَنَابَة البعد، وَكَأَنَّهُ من قَوْلك: جانبت الرّجل إذا أَنْت قطعته وباعدته، وقول وَلَج فلَان فِي جناب أَهله إذا لَجّ فِي مباعدتهم، وَلذَلِك قَالُوا للغريب: جنب وللغربة: الْجَنَابَة. يُقال: رجل غرُوب جنب إذا كَانَ غَرِيباً، وَنعم الْقَوْم هم لِجَار الْجَنَابَة أَي: لِجَار الغربة، فَسُمِّيَ النّاكح مَا لم يغْتَسل جنباً لمُجانبته النَّاس وَبعده مِنْهُم وَمن الطَّعَام حَتَّى يغْتَسل، كَمَا سُمِّيَ الْغَرِيب جنباً لبعده من عشيرته ووطنه. وَرجل جُنُب وَامْرَأَة جُنُب وقوم جُنُب -هَذَا أَعلَى اللُّغَات الْمُذكّر والمُؤنّث وَالْجمع وَالْوَاحد فِيهِ سَوَاء- إِذا أَصَابَته جَنَابَة، وَقد أجنب الرّجل إِذا أَصَابَته الْجَنَابَة.
رُوي عن السّيدة عائشة رضي الله عنها في ذكر غُسل رسول الله - عليه الصّلاة والسّلام - من الجنابة قولها: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ. ثُمَّ يُفْرِغُ بيَمِينِهِ علَى شِمَالِهِ فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ. ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ. ثُمَّ يَأْخُذُ المَاءَ فيُدْخِلُ أصَابِعَهُ في أُصُولِ الشَّعْرِ، حتَّى إذَا رَأَى أنْ قَدِ اسْتَبْرَأَ حَفَنَ علَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ. ثُمَّ أفَاضَ علَى سَائِرِ جَسَدِهِ. ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. وفي رواية: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، فَبَدَأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَديثِ أبِي مُعَاوِيَةَ ولَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ)، ويمكن تفصيل كيفيّة الغُسُل من الجنابة كما ذكرها ابن قدامة المقدسي في كتابه المُغْنيّ حيث قال: الكامل يأتي فيه بعشرة أشياء:
ذَكَر الفقهاء للاغتسال ستّ مُوجباتٍ، هي:
غسل الجنابة فرض بإجماع المسلمين، قال تعالى: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ)، فلا يحلّ للمسلم أن يترك غسل الجنابة بأيّ حال،</ref> ولا يجب الترتيب في غسل الجنابة لأن الله تعالى قال (وإن كنتم جنبا فاطهروا)، وقال (حتى تغتسلوا) فكيفما اغتسل فقد حصل التطهير ولا نعلم في هذا خلافاً ولا تجب فيه موالاة.
الاغتسال من الجنابة ذو حكمٍ جليلةٍ وفوائد جَمَّةٍ عظيمة، وقد نبّه على بعضها الإمام ابن قيّم الجوزيّة في إعلام الموقعين بعد أن أورد جواباً على تساؤلٍ بخصوص إيجاب المُشرِّع - عليه الصّلاة والسّلام - الغُسلَ من المنيّ دون البول حيث قال: (فهذا من أعظم محاسن الشّريعة وما اشتملت عليه من الرّحمة، والحكمة، والمصلحة، فإنّ المنيّ يخرج من جميع البدن، ولهذا سمّاه الله سبحانه وتعالى سلالةً، لأنّه يسيل من جميع البدن، وأمّا البول فإنّما هو فَضلة الطّعام والشّراب المُستحيلة في المعدة والمثانة، فتأثّر البدن بخروج المنيّ أعظم من تأثّره بخروج البول، وأيضاً فإنّ الاغتسال من خروج المنيّ أنفع شيء للبدن، والقلب، والرّوح، بل جميع الأرواح القائمة بالبدن، فإنّها تقوى بالاغتسال، والغُسُل يَخلُف عليه ما تَحلّل منه بخروج المنيّ، وهذا أمر يُعرَف بالحسّ، وأيضاً فإنّ الجنابة توجب ثقلاً وكسلاً، والغسل يُحدِث له نشاطاً وخفّةً، ولهذا قال أبو ذر لمّا اغتسل من الجنابة: (كأنّما ألقيت عنّي حملاً)، وقد صرّح أفاضل الأطباء بأنّ الاغتسال بعد الجماع يُعيد إلى البدن قوّته، ويخلف عليه ما تحلّل منه، وإنّه من أنفع شيء للبدن والرّوح، وتركه مُضرّ، ويكفي شهادة العقل والفطرة بحُسنه)
موسوعة موضوع