نَظّمت أحكام الشريعة الإسلاميّة وتعاليمها حياة المسلم تنظيمًا في غاية الدقة والوضوح، بناءً على ما يتوافق مع العقل والفطرة السليمة، وبيّنت له الحلال والحرام في التعاملات الخاصة والعامة كافّة ومنها الطعام الذي يعدّ عصبَ الحياة، من خلال عددٍ من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والتي حَثّت جميعها على اختيار أطايب الطعام من ناحية النوع وطريقة الإعداد والحصول عليه قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} وعلى النقيض جاء الأمر السماوي بنصٍّ قرآنيٍّ حول كراهية أو تحريم تناول بعض الأطعمة كالذبائح التي ذُبحت بطريقةٍ غير شرعيةٍ، وهذا المقال يسلط الضوء على الإعجاز العلمي في تحريم لحم الخنزير.
الخنزير واحدٌ من الحيوانات الثدية ثنائيّة التغذية، أيْ تعيش على تناول النباتات واللحوم، وهي من الحيوانات التي عرفها الإنسان منذ قديم الأزل واستأنسها في العصر الحجري أي قبل حوالي ثمانية آلاف سنةٍ، وتنتشر في العديد من البلدان الآسيوية والأفريقية والأوروبية والأمريكيتيْن، إذ تشكل واحدةً من أهم مصادر الثروة الحيوانية في تلك البدان نظرًا لاستخدام لحومها في التغذية وجلدها ووبرها في الصناعة إلى جانب استخدامه للحراسة عوضًا عن الكلاب كونه قابلًا للتدريب، ويُعدّ الخنزير من الناحية التشريحية الطبية أقرب ما يكون إلى الإنسان لذا تم الاستعانة ببنكرياس الخنزير لإنتاج هرمون الإنسولين المستخدم في علاج مرضى السكري.
يتباين موقف الأديان والثقافات من حيوان الخنزير، ففي الثقافة الغربية هو من الحيوانات الأليفة والمفضّلة لدى الناس والأطفال على وجه التحديد إذ يكثُر استخدام رسوماته في أفلام الرسوم المتحركة وفي دُمى الأطفال، ففي الشريعة النصرانية الحالية تُبيح لأتباعها تناول لحم الخنزير مع الاعتقاد عند أهل العلم أنّ أصل الديانة المسيحية قبل التحريف كانت تنص على تحريم لحم الخنزير وأنّ أول من أدخل تحليل تناوله هو بولس اليهودي إضافة إلى الخمر، أما الديانة اليهودية فقد حرّمت تناوله مطلقًا وأتباعها ملتزمين بهذا التحريم حتى الآن، وخاتم الأديان السماوية جاء بتحريم لحم الخنزير تحريمًا قطعيًّا واضحًا قال تعالى: {قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِ، وقال -صلى الله عليه وسلم-:"والذي نفسي بيدِه، ليُوشكنَّ أن ينزلَ فيكم ابنُ مريمَ حكمًا مقسطًا، فيكسرُ الصليبَ، ويقتلُ الخنزيرَ"
حرّمت الشريعة الإسلامية على أتباعها تناول لحم الخنزير وشحمه ودهنه وحليبه؛ كونها تعتمد بشكل أساسيٍّ في غذائها على تناول الفضلات -فضلاته وفضلات الحيوانات الأخرى- والجِيف والأوساخ والقاذورات وبقايا مختلف الأطعمة فهي من الحيوانات شديدة النهم للطعام وقد يصل بها الأمر إلى تناول صغارها، ومن هذا المنطلق وغيره يظهر العلة في تحريم لحم الخنزير على المسلمين منذ فجر الدعوة الإسلامية، فقد أثبتت الدراسات والأبحاث الطبية والعلمية خطر تناول هذا النوع من اللحوم على صحة وسلامة الإنسان