"اخسأ يا زنديق.. إنها الصديقة ابنة الصديق عائشة، وما أدراك ما عائشة، رمز العفة والحياء، ومَعين العلم والإفتاء، تقزَّمت أمام هيبتها هامات الرجال والنساء. ولما لا وهي رضي الله عنها الصديقة ابنة الصديق، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من فوق سبع سماوات. ولما لا، وهي رضي الله عنها بحرٌ من العلم لا يُسبر قعرُه ولا تُرى شُطآنه، وعُبابٌ من العِفة والحياء لا تُكدِّره الدِّلاءُ، وسحاب من الزهد والورع تتقاصر عنه الأنواء. ولما لا وهي رضي الله عنها قد وُلدت في أسرة من أشرف بطون مكة، بل وأشرف بطون العرب، وكان مولدها رضي الله عنها في الإسلام في أسرة ربانية مُباركة، فلم تتلوث فطرتها بأخلاق الجاهلية! ولما لا وهي رضي الله عنها قد أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كَمَلَ مِنَ الرِّجالِ كَثِيرٌ، ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إلَّا مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرانَ، وآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وفَضْلُ عائِشَةَ علَى النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ علَى سائِرِ الطَّعامِ؛ (صحيح البخاري). ولما لا وقد قالت رضي الله عنها: فضلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعشر، قيل: ما هن يا أم المؤمنين؟ قالت: لم ينكح بكرًا قط غيري، ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله عز وجل براءتي من السماء، وجاءه جبريل بصورتي من السماء في حريرة، وقال: تزوجها، فإنها امرأتك، فكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد، ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه، ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي، ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري، وقبض الله نفسه وهو بين سَحري ونحري، ومات في الليلة التي كان يدور عليَّ فيها، ودفن في بيتي (الطبقات الكبرى لابن سعد). إن كل ما ذُكِر من فضائل ومناقب في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حري أن يزيدنا لها حُبًّا، وحري كذلك أن يزيدنا بُغضًا لكل خبيث ملعون تسوِّل له نفسه الخبيثة أن ينالها رضي الله عنها بسوء. اخسأ يا زنديق، إنها الصديقة ابنة الصديق، إن حياة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد نالتها ألسنة المنافقين وسِهام الزنادقة الملعونين منذ زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وبالرغم من كل ذلك رد الله تعالى كيد كل هؤلاء في نحورهم وبرَّأها من فوق سبع سماوات بقرآن يُتلى إلى يوم أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها. قال الإمام القرطبي رحمه الله: قال بعض أهل التحقيق: إن يوسف - عليه السلام - لما رُمِي بالفاحشة برَّأه الله على لسان صبي في المهد، وإن مريم لَـمَّا رُمِيت بالفاحشة برَّأها الله على لسان ابنها عيسى - صلوات الله عليه - وإن عائشة لما رُمِيت بالفاحشة برَّأها الله - تعالى - بالقرآن؛ فما رضي لها ببراءة صبي ولا نبي حتى برَّأها الله بكلامه من القذف والبهتان؛ (الجامع لأحكام القرآن). الرد على افتراءات المبطلين حول زواج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إن زواج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور التي تناولها شانئيها ومبغضيها بأسلوب إن دل على شيء، فإنما يدل على أن عدائهم الأول إنما هو للإسلام نفسه، وأنهم إنما يثيرون اللغط في هذه المسألة ظنًّا منهم أن النيل من أحد فروع الشجرة المباركة سيؤثر فيها. قال المبطلون: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج من أم المؤمنين عائشة وهي طفلة صغيرة تبلغ من العمر تسع سنوات، ألا يعلم هؤلاء الأفاكون أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت مُسمَّاةً لجبير بن مطعم بن عُدي قبل أن يخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن والدها رضي الله عنه تحلل من هذه الخِطبة لإصرار جبير بن مطعم بن عدي وأهله على الكفر. جاء في تاريخ الإسلام للإمام الذهبي، قال: فقالت - أي أم جبير بن مطعم بن عدي -: لعلَّنا إن أنْكحنا هذا الفتى إليْكَ تُصبئْهُ وتدخلْهُ في دينِكَ؛ (إسناده حسن). ألا يعلم هؤلاء المبطلون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أراه الله تعالى أم المؤمنين عائشة في المنام مرتين قبل أن يتزوجها؛ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهَا: أُرِيتُكِ في المَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أرَى أنَّكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، ويقولُ: هذِه امْرَأَتُكَ، فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هي أنْتِ، فأقُولُ: إنْ يَكُ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ؛ (صحيح البخاري). • سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ: قطعة مِن حَرِيرٍ. ألا يعلم هؤلاء الجهلة أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في هذا السن لم يكن مُخالفًا لأعراف العرب وعاداتهم، وأن الزواج من فتاة صغيرة لم يكن بدعًا في ذلك العصر، ولا في العصور التي تليه! ألا يعلم هؤلاء السفهاء أن عبدالمطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج من صبيَّة صغيرة، وهيهالة بنت وهيب بنت عمِّ السيدة آمنة بنت وهب، وكان ذلك في نفس اليوم الذي تزوَّج فيه ابنه الأصغر عبدالله والد النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة آمنة بنت وهب والدة النبي صلى الله عليه وسلم. جاء في دلائل النبوة للبيهقي، وفي تاريخ الطبري: لقد تزوَّج عبدالمطلب الشيخ من هالة بنت عمِّ آمنة في اليوم الذي تزوَّج فيه عبد الله أصغر أبنائه من صبيَّة هي في سنِّ هالة وهي آمنة بنت وهب؛ اهـ. ألا يعلم هؤلاء المخابيل أن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قد تزوج من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وهو في سنِّ جدها، وأنجب منها زيد ورُقيَّة. ورد في (سير أعلام النبلاء) للإمام الذهبي رحمه الله أن السيدة أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما قد وُلِدت سنة 6هـ، وأن زواجها من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان في السنة السابعة عشرة للهجرة أي وعمرها 11 عامًا. إن الفاروق عمر رضي الله عنه قد وُلد عام 40 قبل الهجرة، وهذا يعني أن الفاروق عمر رضي الله عنه كان عمره 57 عامًا عندما تزوَّج الصبية ابنة الـ 11 ربيعًا أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما. والأمثلة في هذا الجانب كثيرة، وكلها تقول أنه من الإنصاف في الأحكام ألا يُناقش الحدث مُنفصلًا عن زمانه ومكانه وظروف بيئته. ألا يعلم هؤلاء البلهاء أن أعداء الإسلام من صناديد قريش لم يتكلموا في أمر زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لكونه أمرًا شائعًا ومُتعارف عليه في زمانهم. ألا يعلم هؤلاء الحمقى أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها شمس لا يمكن حجب نورها، فهي رضي الله عنها موجودة بقدرها ومكانتها وفضائلها في كل بيت، وعلى كل لسان، وفي كل عصر ومَصْر، وهي رضي الله عنها ملء العقل والقلب السمع والبصر، وأحمق من تسوِّل له نفسه أنه يستطيع أن يحجب شيئًا من أنوارها، أو أن يسلبها شيئًا من قدرها. ألا يعلم هؤلاء المرجفون أنه كلما زاد إرجاف المرجفين في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كلما زاد الناس لها حُبًّا، وكلما استزادوا من معرفة فضائلها ومناقبها، وكلما علا مقامها بإذن ربها، ? وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَ?كِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ? [المنافقون: 8]. ألا يعلم هؤلاء التعساء أن الشياطين قد اجتالتهم وجعلتهم يهرفون بما لا يعرفون وينعقون نعق البوم في الأماكن الخربة، وأن الشياطين لن تتركهم حتى يخلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم! أخيرًا أقول: إن المتنطعين الذين يعيبون على النبي صلى الله عليه وسلم زواجه من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي في هذا السن ما هم إلا شرذمة منبوذة فشلت في كل شيء، والكل يعلم أنهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، ولكنهم يتكلمون في هذا الأمر لكي تسلط عليهم الأضواء وكأنهم أحرص على الإسلام من نبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، أو كأنهم أدرى بشعاب مكة من أهلها! عن عمرو بن غالب رضي الله عنه أن رجلًا نال من عائشة عند عمار بن ياسر، فقال: اغرب مقبوحًا منبوحًا أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (سنن الترمذي بإسناد حسن صحيح). "
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.