إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (34)

الكاتب: المدير -
إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (34)
"إتحاف الخيرة بشرح منظومة ابن أبي العز في السيرة (35)   النبي صلى الله عليه وسلم ينعى نفسه إلى فاطمة رضي الله عنها: عن عائشة رضي الله عنها قالت: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يغادر منهن امرأةٌ، فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((مرحبًا بابنتي))، فأجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم إنه أسر إليها حديثًا، فبكت فاطمة، ثم إنه سارها فضحكت أيضًا، فقلت لها: ما يبكيك؟! فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حزنٍ، فقلت لها حين بكت: أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا، ثم تبكين، وسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قبض سألتها، فقالت: إنه كان حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عامٍ مرةً، وإنه عارضه به في العام مرتين، ولا أراني إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقًا بي، ونعم السلف أنا لك، فبكيت لذلك، ثم إنه سارني فقال: ((ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة))، فضحكت لذلك[1].   وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت: فاطمة رضي الله عنها: واكرب أباه، فقال لها: ((ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم))[2].   قبل الوفاة بيوم: وقبل يومٍ من وفاته صلى الله عليه وسلم - يوم الأحد - أعتق النبي صلى الله عليه وسلم غلمانه، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده، ووهب للمسلمين أسلحته، وفي الليل استعارت عائشة الزيت للمصباح من جارتها، وكانت درعه صلى الله عليه وسلم مرهونةً عند يهودي بثلاثين صاعًا من الشعير[3].   وعن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت، وهبط الناس المدينة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصمت فلم يتكلم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يديه علي ويرفعهما، فأعرف أنه يدعو لي[4].   آخر يوم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في صبح اليوم الذي لحق فيه بالرفيق الأعلى ينظر إلى ثمرة جهاده وصبره، فألقى على أصحابه الذين أحبوه وأحبهم نظرة وداعٍ، فكادوا يفتنون من الفرح به صلى الله عليه وسلم؛ ظنًّا منهم أنه صلى الله عليه وسلم قد عوفي من مرضه، ولم يظنوا أنه ينظر إليهم نظرة الوداع حتى يلتقي بهم على حوضه وفي جنة الله تعالى، ولو علموا ذلك لتفطرت قلوبهم[5].   عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أن أبا بكرٍ كان يصلي لهم في وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوفٌ في الصلاة، كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة، فنظر إلينا وهو قائمٌ كأن وجهه ورقة مصحفٍ، ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكًا، قال: فبهتنا ونحن في الصلاة من فرحٍ بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونكص أبو بكرٍ على عقبيه ليصل الصف، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجٌ للصلاة، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن أتموا صلاتكم، قال: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرخى الستر، قال: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ذلك[6].   وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته؛ دخل علي عبدالرحمن وبيده السواك، وأنا مسندةٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟! فأشار برأسه أن نعم، فتناولته فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟! فأشار برأسه أن نعم، فلينته، فأمَرَّه، وبين يديه ركوةٌ أو علبةٌ فيها ماءٌ، فجعل يدخل يديه في الماء، فيمسح بهما وجهه يقول: ((لا إله إلا الله، إن للموت سكراتٍ))، ثم نصب يده، فجعل يقول: ((في الرفيق الأعلى))، حتى قبض، ومالت يده[7].   إلى الرفيق الأعلى: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحةٌ: ? مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ? [النساء: 69]، فظننت أنه خُيِّر.   وفي رواية قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيحٌ: ((إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخير))، قالت عائشة: فلما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه على فخذي، غشي عليه ساعةً، ثم أفاق[8]، فأشخص بصره إلى السقف، ثم قال: ((اللهم الرفيق الأعلى)).   قالت عائشة: قلت: إذًا لا يختارنا، قالت عائشة: وعرفت الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيحٌ، في قوله: ((إنه لم يقبض نبي قط، حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخير)).   قالت عائشة: فكانت تلك آخر كلمةٍ تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: ((اللهم الرفيق الأعلى))[9].   وانتشر نبأ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة؛ فاضطرب المسلمون؛ فمنهم من دهش فخولط، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية، وقال: إنما بعث إليه[10].   ووقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه - غير مصدق للخبر - يقول: إن رجالًا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات، ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلةً، ثم رجع بعد أن قيل: قد مات.   والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليقطعن أيدي رجالٍ وأرجلهم يزعمون أنه مات[11].   وأقبل أبو بكرٍ رضي الله عنه على فرسٍ من مسكنه بالسنح حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرةٍ، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه، فقبَّله، ثم بكى، فقال: بأبي أنت يا نبي الله، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها.   ثم خرج أبو بكرٍ وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر، فقال أبو بكرٍ: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله، فإن الله حي لا يموت؛ قال الله: ? وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ? [آل عمران: 144]، قال ابن عباسٍ: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكرٍ، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها.   قال ابن المسيب: قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكرٍ تلاها، فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات[12]. [1] متفق عليه: أخرجه البخاري (3623، 3625)، ومسلم (2450). [2] أخرجه البخاري (4462)، وأحمد (3/ 204). [3] سيرة الرسول لمحمود المصري، وقد أفدت غالبية هذا المبحث منه. [4] حسن: رواه الترمذي (3817)، وأحمد (5/ 201)، وحسنه الألباني. [5] سيرة الرسول (685). [6] أخرجه البخاري (680)، ومسلم (419). [7] أخرجه البخاري (4449). [8] متفق عليه: أخرجه البخاري (4435)، ومسلم (2444). [9] أخرجه مسلم (2444). [10] لطائف المعارف (114). [11] فقه السيرة للغزالي (519). [12] أخرجه البخاري (4452، 4453، 4454). "
شارك المقالة:
15 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook